دراسة نقدية : عبدالنبي النديم
«لا تقلق .. أنا بجانبي» إصدار جديد ومهم للمؤلف عمرو فؤاد، تغوص معه في رحلة شيقة وممتعة تحمل عصارة التجارب والفكر والقدرة على التعبير التي برع فيها، يحكي ببراعة معبرا عما يجول بداخله، في تجربة فريدة قلما تجد من يستطيع الإلمام بها، ترتدي ثوب رواد التنمية البشرية، وتتزين بحكمة كبار الفلسفة الوجودية، وتنهج مسار علماء الإجتماع، بأسلوب أديب أريب راقي.
يرسم لنا من خلال مجموعة من الخواطر التحفيزية «لا تقلق .. أنا بجانبي» لإكتساب مهارات أفضل لعلاقاتنا في الحياة مع الآخرين، خرجت من القلب وتصل إلى قلب قارئها، بدأت بالإهداء الذي شمل كل المحيطين به، أسرته وكل من يحمل له في قلبه حب وإخلاص، متخذاً من خواطره آداة طيعة يفتش بها داخل الإنسان، ذلك الكائن الاجتماعي بالفطرة، يعرض أهم سمات الإنسان التي يتميز بها عن باقي الكائنات الحية وهى القدرة على التعبير، عما يحب ويكره، معبرا عن اجتماعاته واختلاطه بالمحيطين به، حيث أن إقامة علاقة اجتماعية مع كل يتعامل معه، أمر ضروري للإنسان لابد منه لتستمر حياة الإنسان منا سلسلة..
الخواطر .. روعة التصوير للخواطر الإنسانية
وقبل أن نغوص في معيات رحلة «لا تقلق .. أنا بجانبي» لمؤلفها عمرو فؤاد، نعرج إلى ذلك الصنف الأدبي الذي اتخذ منه مطيه للتعبير عما يجول بداخله، وهو الخواطر الأدبية.. ذلك الأسلوب الأدبي السهل الممتع والجذاب، الذي يغلب عليه الجانب الوجداني من أعماق النفس البشرية والتعبير عنها بكل حرفية, حتى خرجت لنا هذه الخواطر كاللؤلؤ المنثور، تتمميز بروعة كلماتها ورقتها أسلوبها وجمالها, وهذا الجمال يولد من قوة التعبير الذي يتميز به المؤلف وروعة التصوير لخواطره الإنسانية، بالإضافة إلى تماسكه الفكري والرمزية في صوره الجمالية..
فالخاطرة الأدبية كما يقول عنها الدكتورمحمد أحمد الأسطل الناقد الأدبي الكبير، أنها أحد زهور حديقة الأدب العربي في العصر الحديث، بساطها السندسي البراق اكتسى بأجمل الفنون الأدبية المتنوعة، بين نثر وشعر ومن قصة ورواية إلى مسرحية إلى مقالة تغذي العقول, وتسحر الألباب إلى ملحمة إلى شعر متغير شكلا ومضمونا من شعر عمودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر، إلى الخواطر بأنواعها المختلفة، وقد عرف الأسطل الخاطرة كفن أدبي كغيرها من الفنون الأدبية متشابهة مع القصة والرسالة في مضمونها, والأسلوب الناجح لكتابتها بشكل يكون متقارب إلى حد كبير مع أساليب القصة والرسالة والقصيدة النثرية، فهى عبارات مُستقرها الأفئدة, ومُستودعها الأسطر، تنفرط كحبات العقد في لحظة صفاء تنتاب الإنسان عندما يحتاج إلى أن يكشف الحجب, ويزيل الأسرار عما يعتريه من مشاعر قد تختلف نواياها, ويتباين سلوكها، فالخاطرة هي مؤنث كلمة الخَاطِر، والخاطر هو النفْس أو القلب اضطرب خاطره لما سمع من أنباء مرّ بها، وما يَخْطُرُ في القلب من تدبير أَو أَمْرٍ، وأدبيا الخاطرة هى نثر أدبي صيغت فيه الكلمات ببلاغة ويمتاز بكثرة المحسنات البديعية من صور واستعارات وتشبيه، وكلمة موجزة قصيرة يلقيها المتكلم خطيباً أو واعظاً من أجل التنبيه على قضية أو مسألة محددة خطرت بباله، أو أعدها مسبقاً في زمن قصير دون استطراد أو إطالة أو مداخلة، تعبر عن حالة شعورية خاصة بالكاتب ضمن قالب أدبي بليغ ويكثر فيها استخدام المحسنات البديعية والتصوير والكلمات القوية أي أنها انفعال وجداني وتدفق عاطفي ومن اسمها (خاطرة) فهي ما خطر على البال أو مرّ أو ذكر بعد النسيان ويكون وليد اللحظة أو الحين ومدته قصيرة فهي تكتب لحظة حدوث الشيء أو بعده ولا تحتاج لاعداد مسبق ولا تحتاج لأدلة او براهين وتتعدد اشكالها ما بين قصر وطول فالخاطرة القـصــيرة، تحتوي في الغالب على كلمات سهلة وبسيطة ومفهومة، والمتوسطة وهي الأكثر جمالاً لوجود التماسك الفكري القوي وانحصار المعنى، والخاطرة الطويلة تكون المعاني فيها كثيرة وعادة ما تحتوي على فقرات متكلّفة أو مستطردة، ولكن تتفق الخاطرة في أنواعها على البنية الأدبية لها، مكونة من مقدمة وعرض أو عقدة وخاتمة ويكون للخاطرة المكتوبة عنوان، وبتخذ الكاتب للخاطرة أثناء إحياء الموقف الذي مر به اختيار عبارات ذات محسنات جمالية, وليس عبارات عادية, والخاتمة تكون إيجازا خاتما للموقف في ذهن الكاتب وتكون عادةً قصيرة ومختصرة للموقف.
الإحساس الصادق والعواطف الجياشة
وذكرالدكتور عز الدين إسماعيل في كتابه «الأدب وفنونه» عن فن الخاطرة أن هذا النوع الأدبي يحتاج في الكاتب إلى الذكاء, وقوة الملاحظة, ويقظة الوجدان، وصورها خاطرة شفوية وخاطرة كتابية، وتتميز أنها ذهنية عارضة تحتاج إلى ذكاء ويقظة، يغلب عليها الجانب الوجداني على الجانب الفكري بالإحساس الصادق والعواطف الجياشة، ليس لها مجال أو موضوع محدد، لا تحتاج إلى أدلة وبراهين عقلية أو نقلية ولا تقبل الاستطراد، وتلائم العصر الذي نعيش فيه، وسهولة التوجيه والفهم إلى مختلف النزعات والميول والثقافات، ولا تلتزم الخاطرة بأسلوب معين فقد يكون الكاتب جاداً وموضوعـيا, وقد يكون ساخراً متهكماً، وكثير من الناس يعتقد أن الخاطرة وثيقة تحمل بين طياتها الحزن والكآبة والألم وهذا غير صحيح , بل هي مساحة واسعة للخاطر والمشاعر الصادقة من فرح و حزن و حـب وشوق وفخر وعزة.
وتتنوع الخاطرة حسب نوع موضوعها واتجاه كاتبها, وتشارك الخاطرة المقالة في نسيجها وبنائها المحكم، ووضوح شخصية كاتبها، وتبتعد عنها في كونها عبارة عن فكرة عابرة غير مكتملة استدعتها العفوية, وأسلوب العصر, ومن أبرز أنواعها الخاطرة الرومانسية، وهى مردود بما يمر به الإنسان في مواقف الحب لقاء أو فراق أو خيانة أو عتاب أو اشتياق، والخاطرةالإنسانية، وتعني بالقيم الإنسانية الجميلة الصداقة والأخلاق الفاضلة والتضحية والوطنية، والخاطرة الوجدانية، والتي تعني بوصف الحالة الداخلية للكاتب أو نظرته لشئ ما، وقد تشطح في الخيال كثيرا كسريالية، والخاطرة الإجتماعية، وهي وصف أو نقل لما يمر من مواقف في محيط الكاتب؛ تختص بمعاني الأسرة والمجتمع والدولة، وهناك الخاطرة المركبة، والتي تعني بنقل الموقف مع أحاسيس الكاتب، كالخاطرة الرومانسية، والخاطرة المجردة وتعني بنقل أحاسيس الكاتب فقط دون ذكر الموقف مثل الخاطرة الوجدانية.
إنطلاقة في أعماق لا تقلق
كما أوردنا فإن الخاطرة هى نص أدبي أقصر من المقالة يخلو من كثرة التفصيلات، لا تحتاج إلى إعداد مسبق، ولا إلى أدلة وبراهين عقلية أو نقلية, وتكثر بها المحسنات البديعية «طباق, مقابلة, جناس, سجع, تورية, ازدواج, مراعاة النظير, تصريع, إلتفات» والتصويرات الفنية البلاغية، وهو ما نطالعه مع الغوص في نصوص لا تقلق، التي يعتمد فيها المؤلف على الانفعال الوجداني والتدفق العاطفي، وليست بها فكرة تحتمل الإتفاق أو الاختلاف، ولكنها لمحة ذهنية بمناسبة حادث عرضي تعرض له المؤلف ينثر الحب والمودة على الجميع، بدءاً من الإهداء الذي وزعه على كل المحيطين به.
والتدفق العاطفي والمشاعر اللحظية
وتتميز خواطر عمرو فؤاد في خواطره «لا تقلق .. فأنا بجانبك» بالوضوح والترابط بين الجمل والمعاني، تأخذ في بعض الأحيان بعضا من أسلوب القصة القصيرة، وتتطرق إلى الشعر والنثر في بعضها، وبها التنوع الكبير في المفردات بين لغة الواقع الذي يعيشه المؤلف، وعالم الأحاسيس والخيال، وفي معظم خواطره تكون مجردة، ينتابها بعض الغموض والإبهام في كثير من مقاطعها التي يتفاعل معها القارئ ويفعل فيها جوارحه وأحاسيسه مع المحسنات البديعية التي تزين خواطره، التي تتميز بالإيجاز والتدفق العاطفي والتعبير عن أفكار ومشاعر لحظية قد تتراوح بين الذاتية والموضوعية، بأفكار عميقة ولغة موجزة وبليغة.
فيطرح الكاتب عمرو فؤاد سؤال في أول خواطره سؤال .. هل أنا أفسدت قلبي؟ ليجيب بإعتراف أنا لست بلا عيوب ولا أخطاء لأنني ما زلت تحت مسمى إنسان, ويجيب على سؤاله بأنه هو الذي أفسد قلبه بغفرانه المتكرر وققته فيمن لا يتسحقونها، وتقديم مشاعره دون انتظار مقابل، ويجيب لم يفسد قلبي إلا قلبي، وتعلم ألا يكون هامشا في حياة أحد ، فالكثير كالشمس يحرقنا إقترابهم، فخذ دائما ما يليق بك، ويوازي روحك من حلم وأمنيات.
وفي الخاطرة الثانية يعطينا دروسا في الحياة، ليعطي لنا دراسا بأن علينا إفراغ الذاكره مثل إفراغ ذاكرة الهاتف، من الذكريات المؤلمة والمشاعر المؤذية والعادات السيئة..
الخلطة السحرية للحب
ثم يغوص بنا المؤلف ليعيطينا الخلطة السحرية للحب، والتي تتبدل بتبدل الليل والنهار، وأن العيب على الإنسان هو اهتمامه بأرضاء الغير على حساب نفسه، ويطالعنا في الخاطرة الرابعة أن الإدمان ليس المخدرات فقط، بل ممكن أن يكون إدمان ضحكة أو نظرة أو حتى شخص، وعندما يبعد هذا الشخص يسحب روحك معاه، ولا تستطيع العودة كما كنت من قبل أن تدمن وجوده في حياتك.
وفي خاطرة الخامسة يخرج لنا بخاطرته بمفهوم مغاير عن أسطورة الحب، الأمر الذي يثير الدهشة للقارئ، فلأسطورة تقول أن الإنسان يكون جميل في حالة الحب، وأن سر الجمال ليس في الحب ولكن سر الجمال في الإنسان المحب، هو إلتزامه أمام ومسئوليته تجاه الحب، وهي بصمة للروح فهناك إنسان واحد فقط هو من تستطيع أن ترمي وجعك بأحضانه، وتطمئن به.
ثم يرسم المؤلف عمرو فؤاد علامات الحب، ويطرح السؤال الكبير الأزلي .. كيف أعرف من يحبني؟ لجيب إجابة بسيطة مذهلة .. من يحبك هو من يشعر بالنقص بدونك، حتى لو أمتلك ألف شيء ولو أحاطه ألف حي، الحب روح بتطبطب على روح وقلب بيعشق قلب.
ثم في خاطرته الحادية عشر ، يعترف لنفسه أنه مش مثالي، لكنه صادق في أفعاله، يمكن أن يبيع العالم كله مقابل ليشتري إنسان يملك السلام النفسي، وأن أشجع القرارات التي يمكن أن تتخذها في حياتك قراراك بالاستغناء عن كل ما يؤذيك روحك وقلبك ونفسيتك وحياتك .. ثم في خاطرته الثانية عشر يقول أن كل إنسان في حياته لحظة، فريدة ومميزة وستبقى معه للأبد تمنحه الحياة ، ثم في خاطرته بعنوان «من الأب» يبكينا معه، يسرد لنا فيها مشاعر جياشة بين الأب وإبنه، منذ حمله في بطن أمه وحياته، ورعايتك منذ طفولته حتى شبابه، ليقول لنا أن أعظم حب سيبقى بالقلب هو حب الأب.
ما معنى الحب؟
وفي خاطرته السادسة عشر، يسأل ما معنى الحب؟ ذلك الخلطة الغير مأمونة، ليكتب خاطرته من حوار بين سيده عجوز وحفيدتها، ليسألها ما معنى الحب؟ لتجيب أن الحب مع أول قبله من والداها وقال لها أنا أحبك .. ليكون الحب هو الحنان والآمان والحضن الدافئ.
والحب جراءة وجنون مع أول خطاب غرامي مع ابن الجيران تحت عقب الباب، وعندما تقدم لخطبتها وقال لها أحبك فالحب طموح وهدف وإرادة، وعندما تزوجها كان الحب شوق ووله وحنين.. لتقول في النهاية أن الحب أن تبقى في قلب من تحب..
وفي خاطرته «اعشق كبرياءك» يقودنا أن كل انسان من الصعب عليه التخلي عما يحب، ولكن هناك مواقف يمكن أن تجبرك على ذلك، لا تغرنك البدايات وال تخدعك الأقاويل والشعارات، وكن مستعدا كأنك ولدت لتتخلى، وكل منا لا بد أن يكون لديه الشجاعة في الحذف والتخلي عما يؤذي قلبه.ففي التخلي قوة تفوق قوة التمسك..
ثم يجول بنا في خاطرته «العشق» ذلك الشعور الذي لا يصدق، والذي يشعر الانسان أنه ما زال على قيد الحياة، ومن أجمل المشاعر التي يمر بها الإنسان، وهو قوة تدفع الانسان لخلق كل شيء جميل.. ثم في خاطرته «البحث عن ذاتي» فرحلة اكتشاف الذات شاقة ومثيرة، والبحث عن الهوية يستمر مدى الحياة، ورحلة كل انسان فريدة من نوعها، والمهم فيها أن تدرك أنك المؤلف الوحيد لقصة حياتك، فالبحث عن أنفسنا تجربه قوية تمكنا من فهم ذاتنا، وتلهمنا الوصول إلى أحلامنا، لذلك يجب على كل إنسان ألا يخاف في رحلته في البحث عن ذاته، على الرغم من اختلاف كل فرد في طريقته للبحث عن ذاته..
المشاعر الإنسانية الجياشة
وفي النهاية فإن خواطر «لا تقلق .. فأنا بجانبي» حالة من المشاعر الإنسانية الجياشة، طاف بين بساتينها الكاتب عمرو فؤاد، التقط لنا من أغضانها أجود الثمار وأجمل الزهور، معبرا عما يجيش بداخل أروحنا، معبرا بصدق عن المشاعر، يؤكد لنا أن القلوب تتغير مع مشرق الشمس ومغربها، والمشاعر تذوي وتتبدل مع اختلاف الليل والنهار، وكل من خاضوا التجربة يعرفون، وقصص الطلاق المروعة التي تلت قصص الحب الملهمة دليل حاسم، وكم من قصة حب أحادية الأطراف استنزفت بشرا كاملين، ليخرج لنا بخلطة سحرية أسمها «الاطمئنان والاحترام والصدق» قد تصنع الحب، لكن الحب لا يكفي لصنعها، مجموعة من الخواطر التحفيزية لاكتساب مهارات أفضل لعلاقاتنا مع الآخرين، فعندما تمتلك هذه الخواطر وتبدأ في قراءة كلماتها ستشعر بأنها تلامس أوتار قلبك؛ فقد كتبت بخفقات القلب، فحاول أن تشعر بكلماتها بكل ما أوتيت من إحساس؛ ستجدها تعبر عنك وعن إحساسك الداخلي، فقد كتبت كلماتها بدماء القلب وحتما ستصل إلى القلب..