5 أغسطس، 2025
البترول مقالات موسوعة وأبحاث الطاقة

دكتور جيولوجي أحمد مصطفى يكتب: جبل الزيت وميلاد صناعة البترول بمصر: صدفة غيرت مجرى التاريخ «الحلقة الرابعة» 

 البُعد البيئي والعلمي.. لا الجيولوجي والتاريخي فقط

“جبل الزيت كما هو: عينات تُوثَّق ولا تُنتزع”
ضمن رحلاتي المتكررة إلى منطقة جبل الزيت، والتي أسرد قصتها في هذه السلسلة تحت عنوان «ميلاد صناعة البترول في مصر»، أتيحت لي الفرصة لتوثيق كثير من المشاهد الجيولوجية الفريدة، التي تشهد على تاريخٍ طويل من التحوّلات الطبيعية والأنشطة البشرية الأولى.
في إحدى زياراتي الأخيرة، طلب مني أحد الأصدقاء الأكاديميين الحصول على إحدى العينات التي قمت بتصويرها، ليتم عرضها ضمن معروضات المتحف الجيولوجي بالجامعة. وهو طلب مشروع من حيث القيمة التعليمية، لكنه دفعني للتوقف أمام مبدأ ظلّ يُوجّه عملي الميداني طوال السنوات الماضية.
فمنطقة جبل الزيت ليست كأي منطقة جيولوجية أخرى. إنها قطعة نادرة لا تزال تحتفظ ببكارتها الجيولوجية والبيئية، ويرجع ذلك – في جانب كبير منه – إلى محدودية الوصول إليها؛ فالمنطقة لا تُزار إلا بتصاريح رسمية، وقد جنّبها هذا الكثير من مظاهر العبث أو التغيير الذي طال مواقع كثيرة غيرها.
خذ مثلًا مشهد “طرح البحر”، الذي لا يزال يحتفظ بهيئته الطبيعية كما كان لعقود طويلة، دون تدخل بشري يُذكر. هذا المشهد وحده كافٍ ليجعلنا نعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع المناطق الحساسة بيئيًا وجيولوجيًا.
ولهذا السبب، كنت – وما زلت – حريصًا في كل زيارة على تصوير العينات وتوثيقها بدقة، ثم إعادتها إلى موضعها كما كانت، إيمانًا مني بأهمية أن يظل الموقع متاحًا في حالته الأصلية للدارسين والباحثين من بعدي. لا شيء يُضاهي أن يرى الباحث بعينه، ويلمس بيده، ويتفاعل مباشرة مع طبقات الأرض كما هي، دون تدخل أو “اقتطاع”.
وقد يستغرب بعض الزملاء من عدم اهتمامي بجمع العينات وتكوين “مجموعة خاصة” بي، وهو أمر مشروع من حيث العُرف العلمي. لكنني أؤمن بأن خصوصية هذا الموقع وقدسيته العلمية والبيئية تُحتّم علينا أن نروي قصته دون أن نُشوّه معالمه. ليس كل ما يُرى يُنتزع، وبعض الأماكن يكفي أن تُوثّق، وأن تُحكى قصتها بصدق وأمانة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *