في زمنٍ تتسارع فيه الأمم نحو آفاق المستقبل، تسعى الشعوب الحيّة إلى أن تبني أبناءها بالعلم، وتؤسس نهضتها على التعليم لا على الحفظ، على التفكير لا على التلقين.
لكننا في مصر، ورغم ما نملكه من عقول نابهة ومواهب فذة، ما زلنا نرزح تحت وطأة نظامٍ تعليمي تقليدي، بات عبئًا على الطالب والأسرة والمجتمع، نظامٍ يُدعى «الثانوية العامة».
من منا لم يعرف رعب هذا النظام؟ عام دراسي بأكمله يُختزل في يومٍ أو يومين، في أوراق لا تُقاس فيها القدرة على الفهم، بل القدرة على التذكّر اللحظي.
امتحان واحد يُحدد المصير، وقد يُقصي الطالب عن حلمه بسبب لحظة توتر أو سؤال مبهم. سنواتٌ من الدراسة والقراءة والاجتهاد، لا تُقاس إلا بدرجات باردة لا تعبّر عن الجوهر الحقيقي لقدرات الطالب أو مواهبه.
لكن في وسط هذا الضباب، تشرق تجربة جديدة واعدة، اسمها البكالوريا المصرية.
نموذج تعليمي حديث لا يكتفي بتغيير الشكل، بل يعيد صياغة جوهر العملية التعليمية، ويضع الطالب في قلب المنظومة، لا على هامشها.
البكالوريا المصرية لا تقدّم نفسها كبديل شكلي، بل كمستقبل يستحق أن نؤمن به.
إنها تعتمد على التقييم المستمر، لا على امتحان واحد، وعلى التعلّم القائم على الفهم والتحليل والتطبيق، لا على الحفظ الأجوف.
هي نظام يُنمي مهارات الطالب الفكرية، والبحثية، واللغوية، ويمنحه الفرصة ليكون فاعلًا، لا مجرد متلقٍّ.
ما يميز البكالوريا المصرية حقًا أنها تعترف بأن لكل طالب موهبة خاصة، ولكل عقل طريقة في الفهم والإبداع. لا تُجبر الجميع على السير في مسار واحد ضيق، بل تفتح أمامهم آفاقًا متنوعة في العلوم والآداب واللغات، وتُشجّع التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والتعبير الذاتي، وهي عناصر أصبحت اليوم من ضرورات التعليم العصري، لا كمالياته.
أبناء مصر لا يستحقون أن يُقاس مستقبلهم بورقة امتحان واحدة، بل بمنظومة تتيح لهم أن يتعلّموا من أخطائهم، ويصقلوا مهاراتهم، ويخوضوا تجاربهم بشغف، لا بخوف.
ولهذا، فإن البكالوريا المصرية، بما تتيحه من عدالة في التقييم، وعمق في المحتوى، وإنصاف في توزيع الفرص، تمثل نقلة نوعية نحو تعليم أكثر رحمة، وأكثر إنسانية.
إنني أدعو من مكاني هذا، وليّ الأمر، والمعلم، وصاحب القرار، إلى أن ينظروا لهذا النموذج نظرة وعي، لا نظرة ريبة. فالتغيير الحقيقي لا يأتي من الشك، بل من الإيمان. ومن أراد لمصر أن تتقدم، فعليه أن يبدأ من فصل الدراسة، من عقل الطالب، من جوهر التعليم.
لا نطلب نظامًا يساير الخارج فقط، بل نظامًا يليق بعبقرية المصري، بعراقة حضارته، وبطموحه المشروع في حياة أفضل.
وحين نُحسن اختيارنا، فليكن اختيارًا يُثمر، ويُضيء، ويمنح أبناءنا تعليمًا لا يُرهق أرواحهم، بل يُطلق عقولهم نحو الإبداع.
إن حضارة مصر العريقة لم تُبْنَ إلا على العلم، على الفكر، على شغف التعلم والاكتشاف. فهل يُعقل أن نرث المجد، ثم نُفرّط في وسيلته؟
فلنستلهم من أجدادنا دافعًا يجعلنا نُفكّر في أسلوب تعليمي هو الأرقى، والأعلى، والأكثر إنصافًا…
فلنمنح أبناءنا البكالوريا المصرية، فهم بحق، يستحقون تعليمًا أفضل.