14 أكتوبر، 2025
أخبار مصر مقالات

دكتور دينغ لونغ يكتب: سرّ نجاح الصين في القضاء على الفقر

تخفيف حدة الفقر في دولة الصين، حيث يعتبر نجاح قضية التخفيف من حدة الفقر في الصين جاءت نتيجة لمشروع منهجي، ينبع من الاندماج العميق بين مزايا النظام السياسي والجينات الثقافية التقليدية وابتكار الاستراتيجيات التنموية. بينما لا يزال هناك 700 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع على مستوى العالم، حققت الصين، باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم، انتشال 800 مليون شخص من براثن الفقر خلال الأربعين عامًا الماضية، مساهمةً بأكثر من 70٪ في تخفيف الفقر العالمي. والجدير بالذكر أنه لم تتحقق هذه المعجزة بنسخ النموذج الغربي ببساطة، ولا بحملات التحرك السريع قصيرة الأجل، بل من خلال سلك طريق ابتكاري مؤسسي ذي خصائص صينية.

 

وتشكل القيادة المركزية الموحّدة للحزب الشيوعي الصيني ضمانا سياسيا لقضية التخفيف من حدة الفقر. منذ إنشاء مجموعة قيادة الدولة لمكافحة الفقر وتنمية المناطق الفقيرة في عام 1986، أقامت الصين آلية عمل تتمثل في “التخطيط المركزي الشامل، تحمل المقاطعات للمسؤولية الكلية”، وتم إدراج التخفيف من الفقر في نظام تقييم أداء المسؤولين على جميع المستويات. إن نظام الإدارة الرأسية ممّا يضمن تنفيذ السياسات دون تشويه وتوزيع الموارد بكفاءة عالية. على سبيل المثال، استراتيجية التخفيف المستهدف من الفقر، فقد أرسلت الصين ما مجموعه 255 ألف فرقة عمل وأكثر من 3 ملايين كادر حكومي للمساعدة في القرى خلال الفترة 2013-2020، وتعدّ هذه القدرة التنظيمية والتعبوية غير مسبوقة في تاريخ التخفيف من حدة الفقر العالمي. كما أن استمرارية السياسات الناتجة عن الاستقرار السياسي تعد أمرًا بالغ الأهمية، حيث حافظت سياسات التخفيف من الفقر في فترات مختلفة على اتّساق منطقي داخلي من “خطة التخفيف من حدة الفقر خلال سبع سنوات (1994-2000)” إلى “استراتيجية النهوض بالريف”.

 

ويشكّل التفاعل الإيجابي بين التنمية الاقتصادية وقضية التخفيف من حدة الفقر قوة دافعة داخلية، حيث نظام المسؤولية التعاقدية للأسر الريفية الذي تم تنفيذه في بداية تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، رفع دخل المزارعين بمتوسط سنوي 15٪ خلال الفترة 1978-1985، مما يمثّل أكبر تجربة للتخفيف الشامل من الفقر في تاريخ البشرية. مع تقدّم عملية التصنيع، انتقل 280 مليون عامل ريفي إلى الصناعات غير الزراعية، وارتفعت حصة الدخل من الأجور في دخل المزارعين من 20٪ في عام 1990 إلى 40.7٪ في عام 2020. ولعبت البنية التحتية دورًا أساسيًا – حيث أنتجت الفكرة البسيطة “الطرق أولاً ثم الثراء” أكبر شبكة طرق ريفية في العالم، وحتى عام 2020 تم تحقيق ربط جميع القرى المؤهّلة بنسبة 100٪ بالطرق المعبدة، والحافلات، والبريد، مما مكّن المنتجات الزراعية الخاصة في المناطق النائية من دخول السوق الوطنية. وطور التخفيف من الفقر عبر الصناعات نماذج جديدة مثل التخفيف من الفقر عبر التجارة الإلكترونية والسياحة، حيث تم إنشاء أكثر من 300 ألف قاعدة صناعية للتخفيف من حدة الفقر على مستوى البلاد، مشكّلة نمط التنمية المتميز “صناعة واحدة لكل محافظة”.

 

ابتكرت استراتيجية التخفيف المستهدف من الفقر نموذجًا حوكميًا للعلاج الموجه. وضعت المتطلبات الدقيقة  (تحديد الفقراء بدقة، ترتيب المشاريع بدقة، استخدام الأموال بدقة، تطبيق التدابير على الأسر بدقة، إرسال الكوادر للقرى بدقة، تحقيق نتائج التخلص من الفقر بدقة) التي طرحها عام 2013 نهاية لسياسة التخفيف من حدة الفقر التقليدية. من خلال إنشاء ملفات وترقيم، تم تحديد 89.62 مليون شخص فقير و128 ألف قرية فقيرة، ووضع خطة مساعدة “إستراتيجية واحدة لكل أسرة”. نقل مشروع النقل من المواقع غير المناسبة للتخفيف من حدة الفقر أكثر من 9.6 مليون شخص فقير، وتم بناء 35 ألف مجمّع سكني مركزي جديد مع المرافق مثل المدارس والمستشفيات. وقطع التخفيف من الفقر عبر التعليم انتقال الفقر بين الأجيال، حيث ارتفع معدل استمرار التعليم الإلزامي في المناطق الريفية من 85٪ في عام 2012 إلى 95٪ في عام 2020، وقدمت الحكومة دعما ماليا لأكثر من 30 مليون طالب فقير. وتعمل الحكومة على بناء خط الدفاع عبر التخفيف من الفقر عبر الصحة، حيث بلغت نسبة التسديد الفعلي لتكاليف المستشفى للسكان الفقراء 80٪، وانخفضت نسبة الأسر التي تعاني من الفقر بسبب المرض من 42٪ في عام 2015 إلى 1.5٪ في عام 2020.

 

وحقّقت الروح الجماعية في الثقافة التقليدية طاقة فريدة للتخفيف من الفقر. كما تتوافق فكرة التخفيف من حدة الفقر مع المفهوم الكونفوشيوسي “لا القلق من الندرة بل من عدم المساواة”. ويعكس التعاون بين شرق وغرب الصين في التخفيف من حدة الفقر الحكمة العملية لـ “مساعدة الأغنياء الأوائل للفقراء المتأخرين”، حيث قدّمت 9 مقاطعات وبلديات في شرقي الصين مساعدات لـ 12 مقاطعة في غرب الصين، واستثمرت ما يزيد عن 100 مليار يوان من أموال المساعدة المالية. في إجراء “عشرة آلاف مؤسسة تساعد عشرة آلاف قرية” للمؤسسات الخاصة، قدمت 127 ألف مؤسسة مساعدة موجّهة لـ 73 ألف قرية، وقد تخطى نمط التخفيف الاجتماعي الشامل من الفقر هذا نمط التخفيف من الفقر في الغرب الذي يعتمد فقط على الأعمال الخيرية. وتساهم طرق الحوكمة المبتكرة على المستوى القاعدي في تغيير نفسية المزارعين والتي تهدف إلى ضخّ القوة الدافعة الداخلية للسكان الفقراء.

 

وأصبح الابتكار العلمي والتكنولوجي رافعة جديدة للتخفيف من حدة الفقر. بالاعتماد على شبكات الاتصالات الحديثة التي تمّ بناؤها في أنحاء البلاد، ما جعل التخفيف من حدة الفقر عبر “الإنترنت +” الهاتف المحمول أداة زراعية جديدة والبث المباشر عملاً زراعيًا جديدًا. وزاد حجم المبيعات السنوية للتجارة الإلكترونية الريفية من 180 مليار يوان في عام 2014 إلى 1.8 تريليون يوان في عام 2020، وتم إنشاء أكثر من 2000 مركز خدمة للتجارة الإلكترونية على مستوى المحافظة ومركز للتوزيع اللوجستي. وتم تطبيق تقنيات الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية والبيانات الضخمة في الإشراف على أموال التخفيف من حدة الفقر. وتم بناء مشروع التخفيف من حدة الفقر عبر الطاقة الضوئية الكهروضوئية 260 ألف محطة كهرباء على مستوى القرى، واستفاد منها 4.15 مليون أسرة فقيرة، وإيجاد نموذج جديد “للإيرادات الشمسية”.

 

وأعادت سياسات وممارسات التخفيف من حدة الفقر في الصين صياغة معايير تقييم أخلاقيات التنمية. بينما يعاني نظام الرفاهية الغربي من معضلة “إعالة الكسالى”، تمسّكت الصين بمبدأ “التخفيف من الفقر لا يعني إعالة الفقراء”، وحققت التخلص من الفقر بكرامة من خلال ورش التخفيف من الفقر والوظائف العامة. وحول التخفيف من حدة الفقر عبر البيئة “المياه الصافية والجبال الخضراء إلى جبال ذهبية ورؤوس مال”، حيث تم توظيف 1.1 مليون شخص فقير كحراس بيئيين للغابات، وإنشاء 20 ألف تعاونية لزراعة الأشجار للتخفيف من حدة الفقر. ويوفر الاتصال الفعال بين التخفيف من الفقر وتنشيط الريف استقرارًا عامًا لسياسات المساعدة الرئيسية من خلال إنشاء آلية المراقبة الديناميكية لمنع العودة إلى الفقر، مما يضمن أن نتائج التخلص من الفقر تتحمّل اختبار التاريخ. وتوفر هذه الاستكشافات حلولاً صينية قابلة للتطبيق والتكرار والاستدامة لمشروع التخفيف من حدة الفقر البشري في كل مكان.

 

وفي الوقت الذي يتعمّق فيه عجز التنمية العالمي اليوم، لا تكمن قيمة تجربة الصين في التخفيف من حدة الفقر في الإنجازات الكمية التي حققتها فحسب، بل في إثباتها أن الفقر ليس قدرًا لا يُقهر أيضًا، طالما وجدنا طريق التنمية المناسب للظروف الوطنية لكل بلد. كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “لقد نجحت الصين في انتشال مئات الملايين من الفقر، وقد منح هذا الإنجاز ثقة كبيرة لمشروع التخفيف من حدة الفقر العالمي.” لقد أعادت مسيرة الصين في مجال الحد من الفقر تشكيل الخريطة العالمية للحد من الفقر من خلال ابتكارها المنهجي ونموذجها المستدام، مقدمةً للدول النامية نموذجًا تنمويًا “لا يتمحور حول الغرب”. فبتحويل المزايا المؤسسية إلى كفاءة حوكمية، لم تُحقّق الصين أهداف الحد من الفقر في أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 قبل عقدٍ من الزمن فحسب، بل أثبتت عبر انتشال 20% من سكان العالم من براثن الفقر المدقع تعددية مسارات التحديث أيضًا. إن آلياتها الفريدة مثل “الحد من الفقر المستهدف”، واستراتيجية البنى التحتية الرائدة، ونموذج التخفيف من الفقر عبر التنمية الصناعية، تتحول اليوم عبر إطار التعاون بين بلدان الجنوب إلى منافع عامة عالمية، حيث تم إنشاء 136 مجمعّا نموذجيًا للتكنولوجيا الزراعية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من خلال “مشروع التعاون الدولي للحد من الفقر”. إن هذه التجارب التي تجمع بين الحفاظ على الاستقلالية التنموية وتحمّل المسؤولية الدولية، تقدّم أساسًا ماديًا ومرجعًا قيميًا لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.

….

أ.د. دينغ لونغ، أستاذ بمعهد الدراسات شرق الأوسطية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية بالصين

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *