حين يصبح العقل سلاحًا، والتعليم خطَّ الدفاع الأول عن الوطن.
من يتأمل حال الأمم الراقية، يدرك أن التعليم ليس بابًا من أبواب الخدمات،
بل قلعة من قلاع الأمن القومي،
فبه تُبنى العقول، وتُحصّن القيم، ويُصان الوطن من الانهيار قبل أن يُهدَّد بطلقة واحدة.
ولذلك أكتب اليوم عن قناعةٍ نابعةٍ من رؤيةٍ ومشاهدةٍ على أرض الواقع، لا عن مجاملةٍ أو تزيينٍ في القول،
إيمانًا بأن أبناء مصر، صُنّاع الحضارة الأولى، يستحقون خدمة تعليمية متميزة تخرج أجيالًا صالحة قادرة على المنافسة العالمية.
التعليم… مشروع وطني قبل أن يكون مهمة وزارية
إن التعليم في مصر لم يعد شأنًا وزاريًا فقط، بل قضية وطنية شاملة تتشارك فيها الدولة والمجتمع، الأسرة والمدرسة، المعلم والطالب.
وما يحدث اليوم من حراكٍ تطويري في المناهج والوسائل وأساليب التقييم ليس عبثًا ولا تجربة، بل هو بناء واعٍ لجيلٍ جديدٍ قادرٍ على التفكير والتحليل والابتكار.
لقد انتهى زمن الحفظ والتلقين، وبدأ زمن الفهم والإبداع، ليولد من بين صفوفنا جيلٌ يصنع لا يردد، ويبتكر لا يقلد.
البكالوريا المصرية… ميلاد عقلٍ جديد
ويأتي نظام البكالوريا المصرية كخطوةٍ جريئةٍ في هذا التحول الكبير،
فهو لا يُرهق الطالب بكمٍّ من المواد والمذكرات، بل يمنحه مساحةً للفهم والبحث والتأمل.
نظامٌ يُعيد إلى الطالب ثقته بنفسه، ويحوّل التعليم من سباقٍ للدرجات إلى رحلةٍ للمعرفة الحقيقية.
وفيه تتوزع الدراسة على عامين، فيخفّ الضغط النفسي، ويزداد الوعي التحصيلي.
إنه نظامٌ يخرّج أبناءً صالحين للحياة والمنافسة العالمية، لا للحفظ المؤقت والنسيان السريع.
ولهذا فإنّ دعوة أولياء الأمور والطلاب إلى اختيار البكالوريا المصرية ليست دعوة لتجربة جديدة، بل خطوة نحو المستقبل المشرق بعقول أبنائنا.
البرمجة… نقلة فكرية في وعي الطالب المصري
ومن أبرز مظاهر التطوير الحديثة إدخال مادة البرمجة ضمن المقررات الدراسية،
وهي خطوة تُحسب للدولة ووزارة التعليم، لأنها تربّي العقل على المنطق والتحليل والإبداع.
فالبرمجة ليست مجرد أكواد وأوامر، بل لغة المستقبل التي يفكر بها العالم الحديث.
إن تعليم البرمجة لأبنائنا منذ المراحل الأولى هو إعلانٌ صريح بأننا نؤمن بعقولهم ونثق في قدرتهم على مواكبة العصر.
بهذه الخطوة، يُولد في كل مدرسة مهندس صغير، ومفكر رقمي، ومبدع يحمل وطنه نحو المستقبل.
الغياب الإلكتروني… انضباط بعقلٍ رقمي
ولأنّ الانضباط هو وجه آخر من وجوه التطوير،
جاء نظام الغياب الإلكتروني ليضع حدًّا للتسيب والعشوائية، ويؤسس لثقافة جديدة في الإدارة التعليمية.
نظامٌ يربط المدرسة بالمديرية، والمعلم بوليّ الأمر، والطالب بواجبه.
فكل حضورٍ يُسجَّل بدقة، وكل غيابٍ يُتابَع لحظيًا،
ليصبح الانضباط عادة، لا خوفًا من العقاب، بل احترامًا للذات والمسئولية.
المنوفية… نموذج القيادة الواعية
وما تشهده المنوفية اليوم من تطويرٍ شامل في التعليم هو شاهدٌ حيٌّ على هذه الرؤية الوطنية،
بقيادة الدكتور محمد صلاح – وكيل وزارة التربية والتعليم – الذي فهم القيادة بمعناها الحقيقي:
الاستماع للجميع، وتقدير الجميع، وصنع منظومة متناغمة تعمل بإخلاص.
فهو قائد يزرع الثقة قبل الأوامر، ويقود بالفكر لا بالصوت، وبالإقناع لا بالإكراه،
يعمل حوله فريق متكامل من الكفاءات:
الأستاذ طارق سعد وكيل المديرية الواعي الرصين،
والأستاذ محمد صحصاح مدير التعليم العام ذو الفكر اللغوي المتزن،
والأستاذ ممدوح الجابري مدير الشؤون التنفيذية الذي يترجم الانضباط إلى واقعٍ ملموس.
كأنهم أوركسترا متناسقة يعزفها مايسترو مؤمن برسالته،
فكل منهم يؤدي دوره في سيمفونية عنوانها: “من أجل تعليمٍ يليق بأبناء مصر.”
كلمة من القلب
ولأنّ الحق يُقال ولو خالف الهوى،
فإنّ ما أكتبه نابعٌ من قناعةٍ خالصةٍ لا رياء فيها ولا مجاملة،
فقد رأيت بعيني فكرًا صادقًا، وقيادةً تؤمن بأن التعليم رسالة مقدسة لا وظيفة روتينية.
ومن هنا، فإنني أدعو المعلمين وأولياء الأمور والطلاب أن يكونوا شركاء في هذه المسيرة،
أن نؤمن جميعًا أن التعليم هو جبهة الوطن الأولى،
وأن من يزرع في عقول أبنائه النور لا يخشى ظلمة أبدًا.