31 أكتوبر، 2025
مقالات

تهامي كرم يكتب : مدير المدرسة قائد السفينة وصمام الأمان

رسالة إلى معالي وزير التربية والتعليم.. من بين كل المهام التي تزخر بها ميادين التربية والتعليم، تبقى مهمة مدير المدرسة هي الأثقل والأعظم والأكثر إيلامًا،
فهو القائد الذي يقف على جبهة الميدان بلا درعٍ سوى ضميره،
والركن الذي تتكئ عليه المنظومة بكلّ ثقلها،
فإن اهتزّ اهتزّ البناء كله، وإن ثبت، استقامت المسيرة.

الكلّ يطالبه:
المعلم يريد، والطالب يشتكي، وولي الأمر يسائل، والمشرف يراقب، والمتابع يُدقّق…
وفي نهاية السلسلة، يقف المدير كحائط الصد الأخير،
يدير بيتًا بلا دخل، ويزرع في أرضٍ قاحلة أملًا أخضر.
يُصلح ما فسد، ويُهذّب ما اعوجّ، ويُطفئ ما اشتعل من صراعات،
كمن يُبحر في بحرٍ من العواصف بيدٍ تحمل المجداف، وأخرى ترفع الأشرعة.

هو ربّان السفينة حين تضلّ الاتجاهات،
وهو نبض المدرسة حين تتعب القلوب،
وهو ظلّها الوارف حين تشتدّ حرارة المشكلات.

وإن أخطأ أحدهم، عوقب المدير معه.
وإن قصّر أحد العاملين، وُجّه إليه اللوم.
هو أول من يُحاسَب، وآخر من يُشكر.
وكم من مديرٍ أعطى عمره عشر سنينٍ بين جدران مدرسته،
يبني، ويصلح، ويخطط، ويدافع،
ثم حين يترك مكانه، تُمحى بصماته من اللوح والجدار،
كأنّ الجهد يُمحى بانتهاء المهمة!

ومع ذلك، يبقى يعمل في صمت،
يقود بعقله، ويحتوي بقلبه، ويزرع في طلابه شجرة حلمٍ لا تيبس.
وراء كل مدرسة ناجحة، مدير متعب،
ووراء كل نجاح تربوي، قلب ينبض بالإخلاص والضمير الحيّ.

يا معالي الوزير… نكتب إليكم لا تظلّمًا ولا شكاية، بل إيمانًا بأن العدالة التربوية تبدأ من تقدير القائد الميداني.
مديرو المدارس هم الجنود الصامتون،
الذين يحملون على أكتافهم أمانة التربية لا المهنة،
يواجهون العجز بالإبداع، والروتين بالصبر، والفوضى بالابتسامة.
فهل آن الأوان أن نمدّ لهم يد الوفاء بعد أن مدّوا للوطن أعمارهم؟
رؤية لتقدير مديري المدارس

إنّ تكريم مدير المدرسة لا يكون بعباراتٍ تُقال على المنصّات،
بل بسياساتٍ تُنصفه، ومبادراتٍ تحفظ له مكانته، ودعمٍ يعينه على القيادة لا يرهقه بها.

1. وسام القائد التربوي
يُمنح سنويًا لمديري المدارس المتميزين،
ليكون التقدير وسام فخرٍ على صدورهم، لا حروفًا على ورق.
فكما يُكرَّم الأبطال في الميادين العسكرية،
فليُكرَّم قادة التربية في ميدان الوعي والعقول.

2. صندوق دعم القيادة المدرسية
تُخصَّص له موارد لتطوير المدارس وتمويل المبادرات،
ليجد المدير سلاحًا للتنفيذ لا عائقًا من الروتين.
فالقائد بلا إمكانيات كمن يُقاتل بظله!

3. برنامج القائد الملهم
مبادرة وطنية لتأهيل المديرين نفسيًا وفكريًا،
ليجمعوا بين الحزم الإنساني والقيادة الواعية،
فيتحول المدير من مراقبٍ للحضور إلى مُلهمٍ للعقول.

4. تقييم الأثر التربوي
يُقاس المدير بما يصنع من بيئةٍ إيجابية وعلاقاتٍ إنسانية،
لا بعدد الخطابات أو التوقيعات.
فالقيمة ليست في الورق بل في الأثر،
وفي العقول التي أنارها، والنفوس التي أصلحها.

5. منصة ذاكرة القادة
تُوثق إنجازات مديري المدارس لتبقى بصمتهم شاهدًا،
لأن من الظلم أن يُنسى من علّم،
وأن يُمحى أثر من بنى مدرسة الوعي في صمت.

كلمة الختام..

يا معالي الوزير.. إن مدير المدرسة ليس ترسًا في ماكينة التعليم، بل هو المحرك الذي يديرها، وهو السراج الذي يضيء دهاليزها، وهو الوتد الذي تُثبّت به خيمة التعليم في وجه الرياح.

أكرِموا هذا السراج قبل أن يخبو، واحفظوا هذا الوتد قبل أن يتآكل من التعب.
فمن أراد إصلاح المدرسة فليبدأ بمن يُديرها،
ومن أراد تطوير التعليم فليستمع إلى من يعيش معاناته لا من يراقبه من بعيد.

تحية تقديرٍ لكل مدير مدرسةٍ جعل من يومه مدرسةً في الصبر، ومن عمله درسًا في الإخلاص،
فأنتم الحُرّاس الحقيقيون لعقول الأبناء،
وأنتم النبض الذي يحيا به جسد الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *