اتصل بي أحد أكبر رجال الأعمال من القرن الماضي، بل والحق أقول ولا أبالغ فهو كان واحد من أكبر ثلاث رجال أعمال فى مصر فى فترة الثمانينات ، و أنا لا أعرفه شخصيا ولم يكن بيننا حوار من قبل ، كل ما هنالك أنه وجد لى منشور من مذكرات أبي عن العدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء فى مصر ، على صفحتي فى الفيس بوك.
و بعد التعارف و تبادل المجاملات الشكلية ،
سألت؛
خير ان شاء الله يا فلان ، ما الذي يمكن أن أقدمه لك ، هل هناك أحد من أولادك أو أسرتك عنده طلب من الجامعة ، أقدر أن أساعد…..!!!
فقال ؛
لا على الاطلاق، بل اتصلت بك لكي أحكي لك قصة عن والدك الشهيد رفعت المحجوب.
كنا ذات يوم فى رمضان تقريبا عام ١٩٨٧ ، بعد وفاة والدتك رحمة الله عليها ، و سوف أخبرك كيف عرفت فيما بعد .
اتصل بي أحد معارضي فى الدقي
و قالوا لى ؛
لدينا عميل يطلب شراء “مطبخ بالقسط” ، و يبدوا أنه شخصية مهمة لأن معه حارس و متوسيكل و إثنان بهوات ، و حضرتك تعرف نحن الان قبل الإفطار بساعات قليلة وليس لدينا محاسب فقد غادر ، من سوف يكتب له ايصالات الأمانة ، فماذا نفعل….!!!!
فقلت ( اقصد صاحب المعرض ) ؛
خلاص قل له يجي بكرة بدري شوية…!!
سمع المحجوب الرد ، فطلب من مدير المعرض أن يعاود الاتصال بصاحب المعرض ، فرفض مدير المعرض خوفا من رب العمل ، فطلب المحجوب رقم التليفون واتصل بنفسه من تليفون السيارة
وقال المحجوب ؛
حضرتك فلان الفلاني صاحب معرض الأثاث و الأدواتالمنزلية…….،
فقلت نعم ؛
و من تكون انت ان شاء الله……بشيء من الاستغراب…..!!!!
فقال الرجل بكل تواضع ؛
انا رفعت المحجوب وعندك فى المعرض عاوز اشتري شيء…!!
ضحكت و قلت له ؛
أرجوك بلاش هزار نحن فى رمضان ، و الواحد صايم
و مش عاوز أخرج عن شعوري ….!!!
فرد المحجوب وقال ؛
خذ التليفون معاك مدير معرضك….!!!
و بعد أن تأكدت انه هو رفعت المحجوب ” رئيس مجلس الشعب بنفسه” ، نزلت من منزلى إلى المعرض فى أقل من عشر دقائق و قلبي يرجف ، وقلت فى نفسي رحت فى داهية…….!!!
الا أن المحجوب قابلني بابتسامة الأب
وقال لى ؛
أزعجناك يا فلان بيك.
و كان معه اثنان من أقطاب مصر فى المال والأعمال ، و من اكبر رجال الصناعة والزراعة و التنمية العمرانية و أعضاء مجلس الشعب ،
هم ا.د. عبد المنعم سعودى و المهندس الكبير طلعت مصطفي ، والذي طلب منهم المحجوب كما قال لى أن يحضروا معه لأنه قليل الخبرة فى تلك الأمور ،
حيث فقد المحجوب زوجتة العام الماضي، و هي التي كانت رحمة الله عليها من يتولى تلك الأمور ، وأراد أن يحضر معه خبراء ” كما نقول اولاد سوق” وليس استاذ جامعة ، لكي يحصل على أجود المنتجات بأفضل الأسعار ، و علشان كدة احضر معه المهندس طلعت مصطفي و الدكتور سعودى لأنهم يفهموا أكثر منه فى تلك الأمور.
( على حد قول المحجوب لى)
و بعد أن عرضت عليه كل ما لدينا من منتجات فى المعرض ،
قال لى ؛
اسمع يا بني ، ابنتي الصغيرة فى المدرسة وأنا اقوم بعمل تقريبا كل أكلها ، بعد رحيل أمها ،
و ندرس دروس المدرسة معا فى المطبخ أغلب الوقت ، وهي تريد مطبخ جديد ، فرجاء ان تجد لنا مطبخ عملي
و بسعر معقول ، دلع بنات والله….!!!
ضحكت و قلت له ؛
أى مطبخ هنا تحت أمرك و ببلاش كمان ..!!
رد وقال ؛
ابدا ابدا ، لو عاوز تكرمني ،
أرجو ان تقبل ان أسقط المطبخ على ثلاث أو أربع أشهر فقط لاغير.
تعجبت و سألت ؛
المهندس طلعت مصطفي الذي كنت أعرفه حسن المعرفة لماذا يشتري رئيس مجلس الشعب مطبخ بالقسط….!!
فرد المهندس طلعت مصطفي و قال ؛
لأنه رفعت المحجوب ، الموظف العام ، ولكن بدرجة رئيس مجلس الشعب المصري ،
ثم استكمل المهندس طلعت مصطفي الحديث
وقال ؛
احنا قلنا له خليك فى المكتب يا دكتور ، واحنا حنجيب لك كل بتوع الأثاث هنا وانت تختار ….!!!
قال المحجوب ؛
لا انا عاوز انزل اشوف بنفسي واتفرج ، أنتم سوف تشتروا الغالى وانا عاوز حاجة عملية و معتدلة السعر .
و بعد أن غادر المحجوب و من معه صالة المعرض ، أتي إلى مدير المعرض ،
وقال ؛
لم نأخذ من هذا الرجل وصل امانه بباقي المبلغ ….
فضحكت و قلت ( مازال صاحب المعرض يتكلم ) ؛
والله لو كان طلب خمسين مليون جنيه ، كنت سوف ادبرهم له فى اقل من يوم واحد ، مصر كلها تتمني أن تنال رضاه ، فهو من يحرك مصر ، و الرئيس مبارك لا يسمع لأحد غيرة …….!!!!!!!
إلا أنه من شرفاء هذا الوطن ، لا أعرف أن كان ذلك لحسن
أو لسوء الحظ….!!!!
على كل حال الأيام سوف تظهر أى مبدأ سوف يسود تلك البلد.
شكرت انا ايمن رفعت المحجوب الرجل ،
و حمدت الله أن أبي عاش و مات على مبدأ واحد ، يتذكروه الناس حتي بعد استشهاده بثلاثين عام
#مذكرات_رفعت_المحجوب
( منقول عن رجل أعمال ، لم يرغب فى ذكر اسمه، وانا احترمت رغبتة 2020)

