وصلت مصر إلى حد الإكتفاء الذاتي من إنتاج النفط والغاز، منتصف الثمانينات من القرن الماضي، من مشروعات معظمها في منطقة خليج السويس البحرية، وتحقق ذلك بفضل خبرات شركات عالمية مثل أموكو أويل وموبيل وكونوكوفيلبس، وأجيب الايطالية وشل الهولندية وشركات أمريكية وأوروبية أخرى مع مزيج مشترك من السواعد المصرية والخبرات المحلية، وبلغ حجم الإنتاج وقتئذ ما يزيد عن 1.75 مليون برميل مكافئ من النفط والغاز، وكان استهلاك مصر ذلك الوقت حول هذا الرقم.
كما أن مصر تمتلك معلومات جيولوجية وخرائط سيزمية تغطي منطقة خليج السويس بأكملها، مع مناطق استراتيجية في دلتا مصر وأجزاء ليست بالكبيرة من الصحراء الغربيه الغنية بالفرص البترولية، ولكن تفتقد مصر للمعلومات السيزمية المؤكدة لتوافر المصائد البترولية في مناطق سيناء، ومعظم حدودنا الغربية والجنوبية مع ليبيا والسودان لأسباب أمنية وأقتصادية، ولكن هذا لا يعني افتقارها لفرص تواجد الخام، وخلال العشرين عاما الأخيرة تطورت صناعة النفط والغاز، وهيمن عليها استخدام تكنولوجيا الحاسبات والذكاء الإصطناعي، مما قلل كثيراً من التحديات والمخاطر والمفترض أن يؤدي ذلك إلى تخفيض النفقات في عمليات البحث والتنقيب شديدة التعقيد، كما أن تواجد مصر في منتصف العالم وإلتقاء مناطق بحار وخلجان مائية ومياه النيل ومناطق منخفضات ومرتفعات جبلية، يؤكد نظريات مرور مصر بعمليات تكتونية وتحركات أرضية منذ ملايين السنين مما يعني توافر مصائد بترولية داخل أراضيها وحول حدودها المائية نتجت عن ذلك.
ولن أتحدث عن تجلي الله عزوجل علي سيدنا موسي في وسط سيناء وإنهيار الجبل من شدة رعبه من رب الكون وتأثير ذلك علي باطن الأرض في منطقة شبه جزيرة سيناء بأكملها، ولكنني سأتحدث عن واقع إنتاج بترولي استمر لعشرات السنين في مناطق ساحلية علي الجانب الغربي الجنوبي من سيناء، واكتشافات مائية تقترب من سواحلها وقرب مدينة العريش وهي فرص بترولية تجارية مؤكدة ولها أرقام وتاريخ اقتصادي، وما مرت به مصر من تجارب صعبة في حقل ظهر في مياه شرق المتوسط، يعني أننا قادرون علي التحدي وإنجاز المشاريع المعقدة وأنتاج ثرواتها رغم ظروف الحصار الاقتصادي من الشركات العالمية، بأغراض إما سياسيه وإما تجارية لسرعة استعادة المصروفات، وأخذ حصص أعلي من الإنتاج بأسعار السوق، وهذا ما كانت ترفضه مصر لسنوات طويله في السابق.
ودون الخوض في تفاصيل عن فرص وخيرات حقل ظهر الذي لم ينل حقه في العمل والدراسة لحسابات إحتياطياته من الغاز الطبيعي الدقيقة، ولا التحدث عن استراتيجية الشريك الإيطالي التجارية البحتة في تناول المشروع، وتنفيذه للحكومة المصرية دون مراعاة الجانب الاجتماعي، وهذا حقهم حسب الاتفاقيات المبرمة ولكنني أؤكد أن خيرات حقل ظهر وغيره من حقول شبيهة في مياهنا الإقليمية كفيلة بإعادة مصر للإكتفاء الذاتي من الطاقة بل وتصدير الفائض بشروط، ولطالما تحدثت من سنوات عن صعوبة تناول مشاريع الغاز العملاقة وإستراتيجية إستنزافها بشكل يحقق الغاية مكتملة من الإنتاج، وذكرت أن أي خلل أو طمع في المزيد ربما يؤدي إلى خسارة فادحة تحتاج أموال باهظة للإصلاح.
ونحن المصريون لا نبكي علي اللبن المسكوب، بل ننتفض ونستمر وإن شاء الله سنعود وبأيادي وعقول وخبرات معظمها مصرية، حتي نغلق صفحة مشاكل إنتاج حقل ظهر، واللغط المحيط بالمشروع وتداخلات من لا يعلم سألخص أخطاءنا ولا أبرر الخطأ ولكن أكتفي بقولاً واحداً «لم يكن في الإمكان ذلك الوقت أفضل مما كان».
سنضع معاً الحلول ونرسم خارطة طريق مجربة للخروج معاً بالمكاسب من حقل ظهر وجميع المشاريع المشابهة.
وأن مشاكل حقل ظهر تتلخص في الأتي:
أولا: لم يأخذ حقة في الدراسة الوافية وتوزيع الآبار الاستكشافيه سواء exploration or appraisal wells بشكل وفي وقت سليم.
وثانيا سرعة إستخدام الآبار الاستكشافية كآبار إنتاج بوضعها الرأسي أو المائل دون إعادة دخول وتعديل مسارها للابتعاد عن طبقات المياه المصاحبة.
وثالثا: رغم عمق طبقات الغاز في الحقل إلا أنه يوجد تحتها طبقات مياه نشيطة مصاحبة، وفي بعض المناطق تقترب نقطة إلتقاء الغاز والمياه في بعض الآبار العمودية shallow GWC.
ورابعا: في هذه الحالة يكون خطر اختراق المياه المصاحبه للإنتاج لمسامات صخور خزان الغاز عظيمة، نتيجة الإنتاج الكبير والسحب الضخم مما يولد ما يسمي بـالـ Water conning ، وهي تشبه خاصية الـ vortex في الأحواض، ولكنها مقلوبة، وفيها يتشكل مخروط من المياه تسابق الغاز، وتدخل مواسير الإنتاج الرأسية، ولأن الوزن النوعي للمياه أكبر من الغاز فهي تثقل كاهل إنتاج الآبار ، وتصل لحد قتلها أو وقف إنتاجها بالكامل، وهذا ما حدث في بعض آبار حقل ظهر.
وخامسا: الأهم من ذلك هو قلة عدد الآبار في حقل ظهر بالنسبة لكميات الإنتاج التجارية المتوقعة.
وفي مشاريع الغاز العملاقه لا ينبغي زيادة إنتاج البئر الواحدة عن 100 مليون قدم مكعب، إذا أردنا إطالة عمر الخزان، ولايوجد قوانين مكتوبة بذلك، ولكنها خبرة إنتاج حقول شبيهة ومشاريع غاز عملاقة حول العالم.
وسادسا: حقل ظهر يحتاج أكثر 40 بئراً، موزعة بشكل مدروس ويشترط إكمالها جميعاً آبار أفقية ترتفع بمنسوب مناسب عن نقطة إلتقاء المياه مع استخدام أنابيب إنتاج أكبر من 5.1/2 بوصة.
ورغم أن تنمية حقول المياه العميقة تحتاج مصاريف ضخمة وامكانيات فنية كبيرة للحفاظ علي سقف الإنتاج وصيانة أبار هذه المشاريع.
فمصر غنية بالفرص البترولية من نفط وغاز في مناطق برية، في سيناء وصحارينا الشاسعة في الشرق والغرب، وتنعم سواحلنا الشمالية بفرص تواجد مصائد وخزانات غازية في المياه الضحلة ، ربما مصاريف تنميتها وصيانة آبارها أقل كثيراً جداً عن مثيلتها العميقة، وصناعة النفط والغاز مليئة بالتحديات ولكنها تحتاج إلى التأني في التفكير والدراسة، واختيار شركاء التنمية بشرط توافر عناصر الفائدة للجميع وضمان سداد مستحقات جميع الأطراف في موعدها، وقد آن الأوان لعودة خبراء مصر الوطنيين في صناعة النفط والغاز، إلى أماكنهم الطبيعية في القيادة، بعد أن تخارجت الشركات الكبري بشكل مفاجئ، نتيجة تأخر مستحقاتهم والتي هي في الأساس بسبب إنهيار إنتاج مصر إلى حوالي 30% من قدرتها الانتاجية المستهدفة في ذلك الوقت ، نتيجة إنعدام الصيانة وقلة الدراسة لتوسع المشاريع وصيانة آبارها وحفر آبار تنمية سليمة تخفف الضغوط علي إنتاج الآبار القديمة بشكل سليم، وعلي الشعب المصري أن يتحلي بالصبر، ولا يستمع إلى الإشاعات ولا يستسلم لرسائل من الخارج غرضها تصفية الحسابات، وعلينا أن نعرف مشاكلنا وأسبابها وطرق حلها ويجب مصارحة الشعب بكل ذلك، لأن نتيجة هذه الأحداث تنعكس مباشرة علي منتجات تدخل مباشرة في استخدام المنازل والمواصلات، وتشغيل المصانع وإنتاج أسمدة الزراعة وتدخل في كل شئ حتي إنتاج رغيف الخبز وأسعار كلفته.
والحكومة وأفرادها موظفون لهم طاقة بشر وليسوا سحرة، ليس مطلوب منهم حلول لمشاكل عقود في أسابيع ولكنهم مطالبون بحسن إتخاذ القرار وحسن التخطيط والمصداقية في التعاملات والشراكة الدولية، وحسن إختيار الشركاء .
وأن البلد تحتاج رجال حكومة ووزراء pro- active بمعني لا تنتظر ردة فعل الحدث لتتحرك بل تجتهد لتسبق الحدث وتخطط لاجتياز المصاعب وللتنمية، وليس من العدل أن نتركهم لذلك بمفردهم، ولكن يجب علي جميع أفراد الشعب أن تساعدهم في ذلك وتتحمل معهم حتي نخرج جميعاً من عنق الزجاجة..
تحيا مصر ونحن قادرون بالعمل وليس بالكلام فقط.