الوقود والكهرباء منتجين يعتمدا بعضهما البعض ونتائجهم وأثرهم يظهر وقتياً علي الشارع والمجتمع وأسعار كل شئ حولنا، فبعد المياه في العصر الحديث هما الحياة. لذلك يجب توخي الحذر عندما نتناول هذا الملف والتحدث عن حاضرة ومستقبله.
أنعم الله علي شعوب العالم بهذه الثروه وجعلها دولاً متفاوتة الثراء إما دول غنية بالنفط والغاز وإما دول فقيرة وتعتمد إستيراده، وبينهما دول كثيرة تمتلك ما يكفيها ذاتياً وربما تحتاج تعويض نقص الاستهلاك من وقت لآخر.
مصر المحروسة من دول الصنف الأخير..
صحراء مصر ومياها الاقليمية تزدحم بالفرص و التكوينات الجيولوجية التي تصلح لإصطياد وتخزين النفط والغاز في الأعماق. هذا إلى جانب تواجد حضارات ونشأة بلاد قديمة وما يحيطها من آثار وبقايا عضوية بعد فناءها تؤكد تواجد عناصر النفط والغاز تحت الأرض في عصور جيولوجية تناسب عصر الحضارات القديمة علي الأرض.
كل هذا الظواهر المؤكدة تاريخيا وكشفيا في الآونة الأخيرة يعني توافر النفط والغاز في ربوع المحروسة.. ولكن؟
خام البترول دائماً محاط بالمخاطر ويحتاج لتكاليف باهظة وتكنولوجيا متقدمة للكشف عنه وتأكيده إنتاجه.
في نهاية خمسينات القرن الماضي وضعت مصر علي خريطة الدول المنتجة للبترول رغم اكتشافه في مناطق متفرقة من ثلاثة عقود سابقة. ومنذ ذلك الوقت كان إنتاج مصر من النفط يكفي احتياجاتها وتميزت مصر بميزة ثانية نتيجة توارث الحضارات وتنشئة أبناءها باكتساب الخبرات في مجال العمل وتغطية سوق العمل النفطي في ربوع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالجيل الأوسط من المهندسين والفنيين.
لم تبخل الشركات العالمية العاملة في مصر منذ 70 سنه علي نقل مهارات وفنون استكشاف وحفر وإكمال وإنتاج حقول النفط والغاز إلى العاملين المصريين واستثنت فقط نقل الخبرات في مجالات التخطيط السليم وفنون الإدارة الحديثة للمشاريع النفطية وخاصة المحفوفة بالتحديات.
ولكن المصريون عاشقي التحدي لم يكتفوا بتعلم ما يترك لهم في بلادهم ولكنهم هاجروا وعملوا في هذه الشركات العظمي واثبتوا كفاءتهم بل وتغلب منهم كفاءة علي بعض مواطني هذه الشركات وتقلدوا مناصب رفيعة المستوى في التخطيط والإدارة عن جداره. وهذا يعني أن المهندس والعامل المصري يبدع ويتفوق عندما يجد الفرصة في بيئة عمل صحية.
مثلث مشاريع الطاقة له ثلاث رؤوس واضلاع:
١. فرص بترولية ومصائد مؤكدة جيولوجياً.
٢. عمالة مدربة ومهندسين أكفاء.
٣. رأس مال ليس بالجبان يغامر ويصطاد الفرص المدروسة.
مصر غنية بالعوامل الأولي والثانية ولكنها تفتقر لرأس المال المغامر وعناصر التخطيط والإدارة في القطاع المحلي.
كما ذكرت في مقال سابق التراكيب الجيولوجية والخطوط السيزمية ما هي إلا مؤشرات أولية لاحتمالية تواجد مصائد بترولية، ولكن يبقي الحفر والإنتاج هما أهم عناصر اختبار وتأكيد المصيدة البترولية وأداءها اقتصادياً قبل الإعلان النهائي عن الكشف.
الحصول علي عنصر الغطاء المالي لعمليات الحفر والإنتاج يحتاج شركاء أجانب جادين، سعدت بالعمل في مطبخ صنع القرار في واحده من أعظم شركات النفط والغاز العالمية الثلاثة لذلك أعرف قيمة مصر إقتصادياً وسياسياً عند هذه الشركات، وماذا تحتاجه هذه الشركات من المسئولين في مصر. واعتقد الأمر شديد الوضوح ويعلمه كثيرون في الوزارة والقطاع!
مرت بالعلاقات بين هذه الشركات العالمية والحكومات المصرية المتعلقه سحابات عكرت الرؤية وفرقت الأهداف آخر ثلاثة عقود لأسباب ليس هنا مجالها ولكنها كما يقال سحابات صيف متحركة وسرعان ما تغادر سماء التعاون الاقتصادي المثمر للطرفين.
تحتاج عوامل رياح قوية لاسراع وتحفيز زوالها وتشجع عودة هذه الشركات لمشاريع النفط المصرية والتعاون من جديد في مجالات استخراج النفط والغاز ببنود اتفاقيات ملزمة.
اتمني هذا المقال والكلمات البسيطة يهدي المسئولين في الوزارة والحكومة لهدفنا الأهم ويرشدهم لجذور المشكلة وإسراع وضع الحلول..
كل التوفيق