شهدت سوق الغاز في مصر خلال آخر عامين تحولات ملحوظة في موازين الإنتاج والاستهلاك، إذ باتت البلاد تعتمد على استيراد الغاز الطبيعي لتغطية جزء من احتياجاتها المحلية، سواء عبر خطوط الأنابيب أو من خلال واردات الغاز الطبيعي المسال. هذا الواقع الجديد يعكس تغيرات هيكلية في معادلة العرض والطلب، ويدفع نحو إعادة صياغة آليات تسعير الغاز بما يحقق استدامة الإمدادات ويحافظ على كفاءة إدارة الموارد الوطنية. وفي هذا السياق، تمثل المعادلة السعرية الجديدة التي أقرتها الحكومة (موجه للمصانع الجديدة) كخطوة عملية نحو تسعير أكثر واقعية يعكس مزيج مصادر الغاز ما بين الإنتاج المحلي والاستيراد عبر خطوط الأنابيب والغاز المسال، بما يحقق توازناً بين حماية الصناعات المحلية من تقلبات الأسعار العالمية، وبين ضمان عدم تراكم أعباء مالية على الدولة بسبب فاتورة الاستيراد..
ويضيف الدكتور وائل حامد أن معادلة تعتمد على المتوسط الوزني وليس الحسابي: معادلة أكثر عدالة وكفاءة.
وتستند المعادلة الجديدة إلى منهج 《المتوسط الوزني》 لتكلفة الغاز وليس المتوسط البسيط المتداول إعلاميا، بحيث يتم احتساب السعر النهائي بناءً على مزيج من ثلاثة مكونات رئيسية:
تكلفة الإنتاج المحلي، وتكلفة الاستيراد عبر خطوط الأنابيب، وتكلفة الغاز الطبيعي المسال المستورد، مع “الأخذ في الاعتبار نسبة مساهمة كل مصدر من حيث كمياته الفعلية في إجمالي الاستهلاك المحلي”. هذا الأسلوب يُعد أكثر عدالة في الحساب، إذ يعكس التكلفة الحقيقية للإمدادات بصورة متوازنة دون تحميل المستهلك الصناعي عبء الأسعار العالم العالية بشكل مباشر.
حيث أن المعادلة تُمكّن المصانع الجديدة من الاستفادة من الغاز المنتج محليًا الذي غالبًا ما يكون أقل تكلفة، مما يُبقي على عنصر الدعم غير المباشر لها، ويُخفّف أثر تقلبات الأسعار العالمية خلال فترة التحول نحو التحرير الكامل. ومن الطبيعي أن يؤدي ارتفاع الإنتاج المحلي أو انخفاض الاستيراد إلى جعل المعادلة أكثر إنصافًا بمرور الوقت، فتنعكس الكفاءة الإنتاجية محليًا على سعر الغاز للمصانع بشكل إيجابي وعادل.
ولتوضيح هذه النقطة، فإذا ارتفع الإنتاج المحلي بشكل كبير بحيث أصبح يغطي الإستهلاك المحلي عموماً وتراجع الاستيراد، فستحصل المصانع الجديدة على الغاز بسعر التكلفة مع إضافة واحد دولار كهامش إضافي.
أما اذا ارتفعت حصة الواردات في السوق المحلي على حساب الغاز المنتج محلياً، فسيرتفع سعر الغاز المباع إلى المصانع الجديدة لكنه سيظل أقل من السعر العالمي بسبب استمرار تكلفة الإنتاج المحلي في المعادلة.
ويضيف الدكتور وائل حامد أنه بنظرة سريعة على تجارب الدول في إصلاح سوق الغاز، بدءا من تجارب الدول الأوروبية، يمكن استنتاج أن تحرير السوق لا يقتصر على رفع الدعم فقط، بل يستوجب كذلك بناء بيئة تنظيمية تتيح تعدد الموردين وتنافسية الإمدادات. وهو ما يعرف بمبدأ النفاذ للطرف الثالث (Third Party Access) الذي يسمح للمستهلكين الصناعيين أو الشركات الكبرى بشراء الغاز مباشرة من الموردين المحليين أو العالميين ونقله عبر الشبكة القومية مقابل تعرفة نقل محددة يتم دفعها لمشغل الشبكة. هذه الخطوة، التي طُبقت في العديد من الأسواق المتقدمة، تتيح حرية أكبر في التعاقد، وتدعم مشاركة القطاع الخاص في تجارة الغاز، مما يسهم في تنويع مصادر التوريد وتحسين الكفاءة التشغيلية في إدارة منظومة الطاقة، لكنها تعرضهم بشكل مباشر لتقلبات السوق العالمي، وهناك العديد من الشركات التي أفلست في أوروبا بعد انطلاق الأزمة الروسية الأوكرانية 2022، لعدم قدرتهم على تحمل فاتورة الطاقة المرتفعة. كما تجدر الإشارة أن خلق سوق تنافسي للغاز يتطلب سنوات طويلة من التحرير التدريجي وصولاً إلى تطبيق قواعد السوق الحر
ويضيف حامد أن هناك مرحلة انتقالية نحو سوق أكثر كفاءة واستدامة، ومن هذا المنطلق، تمثل المعادلة السعرية الجديدة مرحلة انتقالية نحو إدارة أكثر فاعلية للسوق وتطبيقه على المصانع الجديدة، فهي تجمع بين أهداف الإصلاح الاقتصادي ومراعاة احتياجات القطاع الصناعي، إذ تتيح للحكومة مراقبة تطورات الأسعار العالمية والتحكم في انعكاسها محليًا، في حين تمنح رؤية أوضح حول تكاليف الطاقة وتوقعات الأسعار ومعرفة الجدوى الاقتصادية لتنفيذ مصانع جديدة، مع إمكانية مراجعة العملية كل ثلاث أشهر. وعلى المدى المتوسط، يُتوقع أن تسهم هذه الآلية في تعزيز جاذبية قطاع الغاز المصري أمام الاستثمارات الجديدة، سواء في أنشطة الاستكشاف أو في البنية التحتية للنقل والتوزيع، كما ستدعم بناء سوق غاز أكثر مرونة وتنافسية قادرة على التكيف مع المتغيرات الإقليمية والعالمية.
البترول
الغاز الطبيعي
تحرير سوق《الغاز الصناعي》 في مصر: الأسباب والآليات.. رؤية تحليلة من الدكتور وائل حامد خبير أسواق الغاز والهيدروجين وتحولات موازين الإنتاج والاستهلاك
- by ahmed alnadeem
- 3 نوفمبر، 2025

