في صباح يوم السبت 31 مايو 2025، استيقظت مدينة الإسكندرية على وقع مشهد غير معتاد: أمطار غزيرة تهطل كأن السماء تنفث ما بداخلها، رياح عاتية تقلب الموازين، وكرات من البَرَد تسقط من السماء، في مشهد يُشبه ما نراه في نشرات أخبار الأعاصير لا في شوارعنا المصرية.
لم تكن مجرد موجة طقس سيئة عابرة، بل كانت رسالة. لكن السؤال: لمن هذه الرسالة؟ وماذا تقول؟
وفقًا لخبراء الأرصاد، فإن ما حدث هو نتيجة لاضطراب جوي حاد ناتج عن التقاء كتل هوائية دافئة قادمة من الجنوب مع كتل باردة رطبة من البحر المتوسط، مما أدى إلى نشوء سحب ركامية كثيفة مصحوبة بعواصف رعدية وبَرَد ورياح شديدة. ويجمع العلماء أن التغير المناخي أصبح واقعًا يفرض نفسه، يتجلى في تكرار مثل هذه الظواهر الجوية المتطرفة في مناطق لم تكن معتادة عليها.
لكن فوق كل هذا، هناك بعد أعمق… بعد إيماني وروحي يغيب عن كثير من التحليلات العلمية، لكنه حاضر بقوة في قلوب المؤمنين.
يعلّمنا القرآن الكريم أن الابتلاءات بأنواعها ليست دائمًا عقوبة، بل قد تكون تذكيرًا ورحمة وفرصة للمراجعة. يقول الله تعالى:
“وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا” [الإسراء: 59]
ويقول أيضًا:
“ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين” [البقرة: 155]
ما حدث في الإسكندرية هو آية من آيات الله، تذكّرنا بعجز الإنسان وقوة الطبيعة، وتدفعنا للتأمل في حالنا: هل نحن على الطريق الصحيح؟ هل نسينا الاستغفار؟ هل فقدنا التراحم فيما بيننا؟ هل طغى التفاخر على التواضع؟ وهل نسينا أن هذه الأرض ليست مُلكًا لنا بل أمانة في أعناقنا؟
فإن هذه الظاهرة هى رسالة من السماء لأهل الأرض، ربما آن الأوان لنعيد قراءة الأحداث لا بعيون الخوف، بل بقلوب الوعي.
إن العاصفة التي كشفت هشاشة البنية التحتية في بعض المناطق، كشفت أيضًا هشاشة النفوس التي تظن أن الحياة تسير دون حساب.
وإن المياه التي أغرقت الشوارع، ربما كانت لتُغرق ذنوبًا لو وقفنا بعدها لله ساجدين.
وإن صرخات الأطفال في البيوت القديمة، تحتاج منا أن نكون أكثر مسؤولية لا في البناء فقط، بل في بناء القيم.
والإسلام لا يدعونا إلى الاستسلام أمام الأحداث، بل يأمرنا بالأخذ بالأسباب مع التوكل. ففي زمن تتسارع فيه التغيرات المناخية، لا يكفي أن نقول “قدر الله وما شاء فعل”، دون أن نُراجع السياسات، ونُحسّن البنية التحتية، ونعيد النظر في طريقة تعاملنا مع الأرض والبيئة.
نبينا محمد ﷺ علّمنا أن “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا”.
أي أن التوكل لا يعني الجمود، بل حركة وجهد مع يقين.
وفي الختام فإن ما حدث في الإسكندرية ليس حدثًا عابرًا، بل تذكرة من الله أن الإنسان مهما بلغ من علم، يظل عاجزًا أمام قدرة خالقه. وأن الاستعداد الحقيقي لا يكون فقط بتأمين المنازل، بل بتأمين القلوب بالإيمان.
فلنأخذ من هذه العاصفة عبرة…
ولنجعلها عهدًا جديدًا مع الله: أن نكون أكثر وعيًا، أكثر تقوى، وأكثر إنسانية.
…
كاتب المقال دكتور حمدي الهراس
كاتب في تطوير الأداء الإداري والصناعي والإنساني