أيُّ سرٍّ هذا الذي خفي عن العيون، وبقي أثره فينا منذ أول الخلق؟ وأيُّ حكمةٍ تلك التي شاءت أن تُخلَق المرأة من ضلع رجلٍ نائم، وتلدَ هي أبناء الحياة وهي مستيقظة، متيقظة، تشهد ألم الخَلق وتتجاوزه بحبٍّ أعظم من الوجع؟
أتراك، يا آدم، كنت لتحتمل ألماً خفيفاً في جنبك؟ أم أن الله، العليم الخبير، علم أنّك إن تألمت كرهت، وإن جُرحت نفرت، وإن كُسِرت اعتزلت؟ فجاء بك إلى النوم، إلى السكون، وسحب من ضلعك أنثى، لم تُدرك ألم ولادتها، فلا تقابلها بالرفض، وتستيقظ لتراها… فيكون أول لقاء بينكما مبنيًا على الطمأنينة لا على الوجع، فتسكن إليها.
وأما أنتِ، يا حواء، يا أنثى الضلع، فقد خُلقتِ من راحة لتعيشي في صراع. تحملين الحياة بين أضلعك شهورًا، ثم تلدينها دمًا وصراخًا ونفَسًا ضيقًا، تشهقين بين الألم والرجاء، لكنك ما ازددتِ إلا حنانًا. تضمّين وليدك إلى صدرك وقد فتحتِ له الحياة بجسدك، فكأنّ الألم فيك لا يُفسد، بل يُزهِر.
أيُّ فرقٍ هذا؟ الرجل إذا تألم، انسحب، صمت، وربما كره، أما المرأة، فكلما اشتد بها الألم، ازداد قلبها دفئًا، وكأن الله جعل في ألمها طهرًا، وفي صبرها بطولة. سبحان من فرّق في طبيعة الألم، فجعله فيكِ عاطفة، وفيه عقلًا، وجعل فيكِ صبرًا، وفيه قلقًا.
فيا آدم، لا تعبث بمشاعر خُلقت من سكونك، ولا تستهِنْ بقلبٍ نُبِتَ بلطفٍ من ضلعك، ولا تستخفّ بعاطفة حواء؛ فهي ليست ضعفًا، بل امتدادٌ لقدرة الخالق على جمع الألم والحب في قلبٍ واحد.
ويا حواء، لا تضجري من مناداة “نقصان العقل”، فلا عقلَ اكتمل دون عاطفة، ولا سَكَن عقلٌ دون قلبٍ يحنّ ويحتمل ويحب. ما وهبكِ الله من عاطفة هو ما يضيء ظلمات الدنيا، وهو ما يجعل لُطفكِ أكثر حكمةً من ألف فكرة، ووجعكِ أعظم من ألف صمت.
في خَلقكما سرّ، وفي اختلافكما كمال، وفي لقائكما تكتمل صورة الإنسان، وفي اجتماعكما تكمن المعجزة الأولى: الحياة.