كتب: أحمد صقر
عقد يوان العزم على شراء سيارته العائلية الأولى فطفق يجرب سيارات كهربائية تماماً من صنع شركات صينية معروفة مثل “نيو” (Nio) و”شاوبنغ” (Xpeng)، لكن الشاب الثلاثيني كان قلقاً من نفاد الطاقة ومشقة شحن السيارة خلال السفر.
لذا قرر يوان وهو من سكان شنغهاي أن يجرب ضرباً جديداً من السيارات يُسمى المركبات الكهربائية طويلة المدى، وهي معدة لتسير مسافة تداني ألف كيلومتر بشحنة واحدة بفضل محرك احتراق داخلي صغير مخصص لإعادة شحن البطارية تلقائياً، فيما أن مدى السيارات الكهربائية التقليدية هو نحو نصف ذلك.
وجد في هذا النوع من المركبات خياراً أمثل له، فدفع نحو 34 ألف دولار ليشتري سيارة من طراز “لي أوتو إل 6” (Li Auto L6)، وهي سيارة رياضية متعددة الأغراض لخمسة ركاب أصبحت بين أكثر الطرازات مبيعاً في الصين.
وقال يوان، الذي اختار التعريف عن نفسه باسمه الأول فقط بسبب مخاوف متعلقة بوظيفته الحكومية: “لم يخطر لي سابقاً أن أشتري سيارة كهربائية طويلة المدى، لكن بهذا لن نقلق إن قمنا برحلة طويلة من حين إلى آخر، ولن نضطر للانتظار طويلاً في طوابير محطات الشحن.”
بطارية أصغر
أصبحت المركبات الكهربائية طويلة المدى أسرع السيارت نمواً من حيث المبيعات في الصين، وهي أكبر سوق للمركبات الكهربائية المعتمدة حصرياً على البطاريات. قالت خدمة بلومبرغ نيوز إنيرجي فاينانس (بي إن إي إف)، إن مبيعات المركبات الكهربائية طويلة المدى ارتفعت بأكثر من ضعفين خلال السنة الماضية، لتشكل اليوم 30% من إجمالي مبيعات السيارات الهجينة القابلة للشحن في الصين.
ستبدأ هذه المركبات بالوصول إلى الولايات المتحدة العام المقبل مع طرح شركة “ستيلانتيس” (Stellantis)، مالكة شركة “كرايسلر”، لمركبة “رامتشارجر” (Ramcharger) وهي نسخة كهربائية من شاحنة (Ram 1500)، وتقول الشركة إن مدى المركبة الجديدة نحو 1110 كيلومترات بالشحنة الواحدة وهي “مصممة لجذب المترددين” كي يدخلوا عصر المركبات الكهربائية.
فيما تجاهد شركات السيارات حول العالم لإقناع المستهلك العادي باقتناء مركبات كهربائية، برزت السيارات الكهربائية طويلة المدى كحل فعّال للتغلب على أكبر عقبتين تعترضان الإقبال على السيارات الكهربائية وهما السعر والقلق بشأن المدى.
يمكن شحن السيارات الكهربائية طويلة المدى عبر وصلها بالكهرباء، حالها في ذلك كحال كافة المركبات الكهربائية العادية، لكن يمكن أيضاً ملء خزانها بالوقود لتشغيل محرك بنزين صغير يشحن البطارية أثناء القيادة، وهذا يتيح لها قطع مسافات أطول بكثير.
في هذا النمط من المركبات، لا يدفع محرك الوقود العجلات كما في السيارات التقليدية أو الهجينة، بل يعمل كمولد كهرباء فقط. هذا يعني أن السيارة الكهربائية طويلة المدى تحتاج بطاريةً أصغر بحوالي نصف بطارية السيارة الكهربائية العادية، فينخفض بذلك سعرها بنحو 4 آلاف دولار مقارنة بالسيارات التي تعتمد على البطاريات كلياً. وبفضل شحن المحرك للبطارية تلقائياً، لن يحتاج السائق للتوقف عند محطات الشحن خلال الرحلات الطويلة.
أفضل بيئياً من السيارات الهجينة
قال جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة “فورد موتورز” في نهاية مايو حين عاد من رحلة إلى الصين، حيث أبهرته المركبات الكهربائية طويلة المدى، إن هذه السيارات “تأتي ببطارية أصغر، و95% من رحلاتها تتم بالاعتماد على النظام الكهربائي بالكامل، ما يحدّ من القلق حيال المسافة التي يمكنها اجتيازها… لقد أعجبنا فعلاً هذا الحل”.
وبما أن هذه السيارات تعتمد على طاقة البطارية معظم الوقت، فهي صديقة للبيئة أكثر من السيارات الهجينة التقليدية، مثل “بريوس” التي تبيعها “تويوتا” منذ أكثر من ربع قرن.
تعمل السيارات الهجينة التقليدية بمحرك احتراق داخلي مدعوم بمحرك كهربائي صغير يُشحن من خلال نظام السيارة الكهربائي والطاقة الحركية الناجمة عن المكابح. في المقابل، تسهم المركبات الكهربائية طويلة المدى بانبعاث كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، لأن محرك الاحتراق الداخلي يعمل فقط من حين لآخر لشحن البطارية.
لكن فيما أن حجم بطارية السيارات طويلة المدى أصغر من بطارية السيارة الكهربائية تماماً، إلا أنها أكبر من بطارية السيارة الهجينة التقليدية، ما يعني بالتالي أن سعرها أغلى.
حتى الآن، لم تلتزم أي شركة سيارات عدا “ستيلانتيس” مع “رامتشارجر” بإطلاق سيارة كهربائية طويلة المدى في الولايات المتحدة، ولم تكن “فورد” استثناءً. لكن يبدو أن حماس فارلي لهذه التقنية بدأ ينتقل إلى الفريق التنفيذي في شركته.
وقال مارين غجاجا، مسؤول العمليات في وحدة المركبات الكهربائية “موديل إي” (Model e) في “فورد”: “يمكنك شحن السيارة عندما تريد، وليس عندما تضطر لذلك، وهذا تقدم كبير جداً”.
ليست محايدة كربونياً
يرى خبراء السيارات في هذه التقنية حلاً قد يكون مثالياً لصنع المركبات المفضلة لدى الأمريكيين، أي السيارات الرياضية متعددة الأغراض والشاحنات الصغيرة. إن صغر حجم البطارية، وهي العنصر الأثمن في السيارات الكهربائية، يمكن هذه التقنية من تقليل من وزن وسعر السيارة وزيادة مدى القيادة.
تعتمد هذه التقنية على تقنية البطاريات المتوفرة أصلاً لدى صانعي السيارات، ولا تتطلب ابتكارات جديدة بما أنها تجمع بين بطارية ليثيوم أيون تقليدية ومحرك احتراق داخلي.
وقال مايكل دون، المدير التنفيذي السابق لـ”جنرال موتورز” في آسيا والمستشار المتخصص في السوق الصينية: “تبدو هذه التقنية منطقية جداً للسوق الأميركية، حيث نميل إلى السيارات الكبيرة ونفضل القيادة بسرعات عالية لمسافات طويلة”. وبيّن أن هذه السيارات تقدم “فرصة ذهبية لديترويت من أجل بناء نظام دفع فعّال وتخفيف التكاليف وزيادة مسافة القيادة والحفاظ على رضا العملاء في فئة السيارات التي يفضلونها، أي السيارات الرياضية متعددة الأغراض والشاحنات”.
مع ذلك، ما تزال شركات السيارات الأميركية مترددة في تبني تقنية المركبات الكهربائية طويلة المدى، ربما بسبب نظرة الهيئات الناظمة والناشطين البيئيين لهذه المركبات التي تعتمد على محرك عامل بالوقود لزيادة مسافة القيادة. فهي تُصنف كسيارات هجينة التي لم تعد تعتبرها منظمة “سييرا كلوب” (Sierra Club) صديقةً للبيئة. قالت كاثرين غارسيا، مديرة قسم وسائل النقل الصديقة للبيئة في “سييرا كلوب” إن السيارات الكهربائية طويلة المدى ستشتت الانتباه بما يحد من زخم الانتقال الضروري نحو المركبات التي لا تسبب انبعاثات”.
ولم يتضح بعد كيف ستصنف الهيئات الناظمة في الولايات المتحدة السيارات الكهربائية طويلة المدى، لكن يستبعد اعتبارها صنواناً للمركبات الكهربائية الصرف، التي إذا صُنعت في الولايات المتحدة ستستفيد من إعفاء ضريبي يصل إلى 7500 دولار.
تجربة سابقة فاشلة
كانت شركة “جنرال موتورز” سباقة قبل 14 عاماً في تطوير تقنية مثل تلك المعتمدة في المركبات الكهربائية طويلة المدى، حين أطلقت سيارة “شيفروليه فولت”، وهي سيارة سيدان صغيرة تعمل بالكهرباء ويدعمها محرك وقود. إلا أن المسافة التي كانت تجتازها “فولت” بالشحنة الواحدة لم تكن تتجاوز 64 كيلومتراً، أي أقل بكثير من المسافة التي تجتازها اليوم نظيراتها الصينية الحديثة. وقد أخفقت تلك السيارة في تحقيق أهداف المبيعات، فتكبدت “جنرال موتورز” خسائر بآلاف الدولارات عن كل سيارة باعتها إلى أن قررت إيقاف إنتاجها في 2019.
وقال مارك ويكفيلد، الرئيس الشريك لقسم السيارات في شركة “أليكس بارتنرز” (AlixPartners ) الاستشارية إن “تقنية (فولت) كانت جيدة جداً في زمانها، لكنها مكلفة جداً، وقد استُخدمت في سيارة اقتصادية. كان أجدى تبني استراتيجية كلاسيكية أكثر، حيث تُعتمد هذه التقنية في سيارة فاخرة مثل كاديلاك في البداية، ثم يتوسع استخدامها بمضي الوقت وانخفاض السعر وتنامي السعة الإنتاجية”.
أعلنت “جنرال موتورز” أنها ستضيف السيارات الهجينة القابلة للشحن إلى تشكيلتها من المركبات بحلول 2027، لكنها لم تكشف إذا كانت ستتضمن السيارات الكهربائية طويلة المدى. قال المتحدث باسم “جنرال موتورز” جيم كاين إن “التحدي الذي تطرحه السيارات الهجينة القابلة للشحن والسيارات الكهربائية طويلة المدى يتمثل بتعقيداتها وتكلفتها بسبب حاجتها إلى نظامي دفع، كما أنها لا تمنع تماماً الانبعاثات من العوادم”.
هيمنة صينية
تخلت أميركا عن سوق السيارات الكهربائية طويلة المدى لصالح الصين، كما كانت قد فعلت قبل عقد مع تقنية البطاريات التي تهيمن الصين عليها راهناً.
وبينما تتسابق شركات صينية كبيرة مثل “إس إيه آي سي موتور” (SAIC Motor) و”جيجانغ جيلي” (Zhejiang Geely) لدخول سوق المركبات الكهربائية طويلة المدى، تتصدر السوق الصينية شركة “لي أوتو” (Li Auto) التي أسسها ملياردير قطاع التقنية لي سيانغ بفضل تشكيلة من السيارات الرياضية متعددة الأغراض التي تستخدم هذه التقنية.
لقد سجلت مبيعات “لي أوتو” ارتفاعاً بحوالي 47% في يونيو، لتصل إلى 47774 سيارة، مدفوعة بالطلب على سيارتها الكهربائية طويلة المدى الأرخص ثمناً، وهي السيارة الرياضية متعددة الأغراض “أل 6” التي يبدأ سعرها من 34500 دولار. كما ارتفعت مبيعات سيارات “لي أوتو” بمقدار يزيد عن الضعفين خلال العام الماضي، وحققت الشركة ربحاً إجمالياً سنوياً بقيمة 3.9 مليار دولار (27.5 مليار يوان).
تعليقاً على ذلك، قالت سيي مي، المحللة لدى بلومبرغ إن إي أف، إن شركة “(لي أوتو) تستهدف الباحثين عن شراء سيارات عائلية… فمركباتها الكهربائية طويلة المدى توفر فرصة قيادة سيارة كهربائية دون القلق حيال المدى، كما أنها مزودة بأنظمة ترفيه ومعلومات، بالإضافة إلى أنظمة مساعدة متقدمة يستفيد منها السائق، مصممة خصيصاً لهذه الفئة من العملاء”.
أسهمت السيارات التي صنعتها “لي أوتو” في جعل المركبات الهجينة القابلة للشحن أسرع أنظمة الدفع نمواً عالمياً، متفوقة على السيارات الكهربائية بالكامل والسيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي، حسب “بي إن إي إف” التي رفعت أيضاً تقديراتها لمبيعات السيارات الهجينة القابلة للشحن بشكل كبير، متوقعةً أن تصل إلى ذروتها عند 9.2 مليون سيارة مبيعة عالمياً بحلول 2030، مقارنة بالتقديرات السابقة التي كانت تشير إلى 6.5 مليون سيارة في 2026. قالت “بي إن إي إف”، بيعت حوالي 4.2 مليون سيارة هجينة قابلة للشحن في جميع أنحاء العالم العام الماضي.
هل تصل إلى أميركا؟
زار ويكفيلد زميلاً له في الصين قبل فترة قصيرة، وجرب قيادة سيارة “إل 9” الرياضية متعددة الأغراض الفاخرة من “لي أوتو”. فلم يقتصر إعجابه بها على نظام الدفع الذي ظل يعمل كهربائياً طوال الرحلة، بل كانت السيارة مزودة أيضاً بعدد من الميزات التقنية المتطورة، مثل خاصية التحكم الصوتي بعدة وظائف منها فتح النوافذ، ونظام قيادة شبه ذاتي قادر على إخراج السيارة عن الطريق السريع دون أن يضطر السائق للمس عجلة القيادة، إلى جانب قدرة السيارة على ركن نفسها دون الحاجة إلى شخص خلف المقود.
وقال ويكفيلد: “عندما اقترب زميلي من شقته طلب مني أن أشاهد ما سيفعله… قال لي: يمكنني الخروج من السيارة والتوجه إلى شقتي دون الحاجة لركن السيارة. هي ستنزل طابقين لتركن نفسها”.
لكن يُستبعد أن يرى الأميركيون مثل هذه التقنية على طرقاتهم قريباً، فيما يسعى الرئيس جو بايدن لفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السيارات الصينية، ويهدد الرئيس السابق دونالد ترامب باتخاذ إجراءات حمائية أشد لمنع دخول السيارات الكهربائية الصينية إلى السوق الأميركية.
لذا، إن رغب المستهلكون الأمريكيون في الحصول على هذه التقنية التي ستساعد في الانتقال نحو مستقبل من المركبات الكهربائية، فسيقع على عاتق شركات السيارات الأميركية والجهات الناظمة في الولايات المتحدة أن تمهد الطريق لذلك.
وقال دون، المدير التنفيذي السابق في “جنرال موتورز”: “لقد شهدنا تحولات مدفوعة بالزبائن الذين يرون أن الحلول العملية تتفوق على المثالية. تسرعنا في اعتماد السيارات الكهربائية قبل أن تكون بنية الشحن جاهزة. لذا ستكون السيارات الكهربائية طويلة المدى خطوة طبيعية إلى الأمام.”