8 ديسمبر، 2024
موسوعة وأبحاث الطاقة

استخدام العلوم النووية لتقييم آثار تغير المناخ والتلوث على الحياة البحرية في الكويت

الباحث سيف الدين يستخدم التقنيات النووية لتحسين فهم كيفية تأثير تغير المناخ تأثيراً مباشراً على نمو الكائنات البحرية.

 

في مجمع سوق شرق التجاري، ومن ضمن أركانه المخصصة لعرض التوابل العطرية والفواكه المستوردة، هناك أيضاً سوق للسمك يعرض المأكولات البحرية مثل المرجان الأحمر والهامور والبوري. وهنا، في قلب مدينة الكويت تباع منذ عقود الأسماك الطازجة المصطادة من الخليج العربي. وعلى غرار سائر الأسواق الرطبة، يجب أن يتصدى هذا السوق الخالد والممتع لكل من المشترين والبائعين للمخاطر الدائمة لتلوث الغذاء. ومع تفاقم ظاهرة تغير المناخ، تزايدت المخاوف بشأن احترار المياه وارتفاع درجة حموضتها التي تؤثر على نمو الأسماك وصحتها، فضلاً عن الطريقة التي تؤثر بها الملوِّثات على الشبكات الغذائية وعلى سلامة الأغذية البحرية. وتبرز التقنيات النووية كأدوات فريدة يمكن للباحثين استخدامها لمعرفة إن كان لهذه المخاوف ما يبررها.

وسيف الدين من معهد الكويت للأبحاث العلمية هو واحد من هؤلاء الباحثين. ويتعاون المعهد الذي يعمل به سيف الدين مع الوكالة لدراسة آثار انبعاثات غازات الدفيئة وتغير المناخ – مثل تحمض مياه المحيطات واحترارها – على الحياة البحرية باستخدام التقنيات النووية.

وقال سيف الدين: “من المعروف والمفهوم أنَّ تغير المناخ يؤثر على الحياة البحرية، لكن ليس من الواضح تماماً إلى أي مدى. وبدراسة كيفية امتصاص الحيوانات بعض النظائر يمكننا الحصول على أجوبة ومساعدة السلطات على التخطيط بشكل أفضل لسبل التصدي للمشاكل المتحملة”. ويمكن تحديد نظائر العنصر الكيميائي من خلال عدد البروتونات التي تحتوي عليها. وبقياس نسب النظائر المختلفة لعنصر كيميائي في عينة ما، يمكن للباحثين دراسة الطريقة التي تمتص بها الكائنات الحية المواد والمركبات الكيميائية.

“بدراسة كيفية امتصاص الحيوانات بعض النظائر يمكننا الحصول على أجوبة ومساعدة السلطات على التخطيط بشكل أفضل لسبل التصدي للمشاكل المحتملة.”
— سيف الدين، معهد الكويت للأبحاث العلمية
وبدعم من الوكالة، يعمل معهد الكويت للأبحاث العلمية على تطوير منهجيات واستحداث تقنيات لتنفيذ تجارب تُعنى بدراسة نظائر النحاس والزئبق والبولونيوم. وتشكل هذه المعادن مصدر قلق عام، إذ قد ينتج عنها آثار صحية خطيرة عند تراكمها بتركيزات عالية في البيئة والمأكولات البحرية. وبدراسة نظائر المعادن ونسب تمثيلها في الأنسجة المختلفة من أنسجة الكائنات البحرية، يمكن للخبراء من معهد الكويت للأبحاث العلمية أن يقتفوا مصدر هذه المواد الكيميائية، ومن ثمَّ تحديد السبب المحدد للتلوث. ويمكنهم أيضاً أن يقيموا الطريقة التي تتحرك بها هذه الملوِّثات عبر النظم الإيكولوجية الساحلية والبحرية في ظل الظروف الجوية والبيئية المتغيرة.

وقال سيف الدين: “هناك مخاوف من أن احترار المياه وارتفاع درجة حموضتها قد يؤدي إلى امتصاص الحياة البحرية كمية أكبر من الملوِّثات التي قد تتراكم في المأكولات البحرية. ولقد استخدمنا التقنيات النووية للتحقق من ذلك”. وباستخدام المقتفيات الإشعاعية، توصَّل سيف الدين إلى أنَّ تحمض المحيطات لم يؤثر على جرعة البولونيوم التي تمتصها مجدافيات الأرجل – وهي نوع من القشريات المجهرية تؤدي دوراً هاماً في الشبكات الغذائية في المحيطات – ولكنه أضاف أن تحمض المحيطات قد يؤثر على الجرعة الممتصة من معادن أخرى”. وأضاف: “نعتقد أنَّ تحمض المحيطات قد يؤثر على الجرعة الممتصة من الرصاص والزنك، حيث يُستخدم الزنك في نمو الكائنات الحية، ولكن بالنسبة للمعادن الأخرى، لم نر أي زيادة ملحوظة في الجرعة الممتصة”.

فهم الآثار المناخية على الحياة البحرية

مجدافيات الأرجل هي نوع من القشريات المجهرية تؤدي دوراً هاماً في الشبكات الغذائية في المحيطات.

(الصورة من: Adobe Stock)

بالإضافة إلى دراسة الملوِّثات البحرية، يقول سيف الدين إنَّ التقنيات النووية تؤدي أيضاً دوراً رئيسيًّا في قدرتنا على تحسين فهمنا لكيفية تأثير تغير المناخ تأثيراً مباشراً على نمو الكائنات البحرية. ففي دراسة على مجدافيات الأرجل، واصل سيف الدين زيادة درجتي حموضة وحرارة المياه على مدار عام كامل. ووجد أنَّ مجدافيات الأرجل استطاعت التكيف مع الظروف المتغيرة على مدى 14 جيلاً.

وفي دراسة أخرى، ربَّى سيف الدين الروبيان في ظروف مائية متزايدة الحموضة، تشبه تلك الظروف التي وضعت لها نماذج في سيناريوهات تغير المناخ المتقدمة. وساعد أحد المقتفيات الإشعاعية، الكالسيوم-45، على تحديد كيفية تأثير تحمض المحيطات على شفافية الهيكل الخارجي للروبيان، وهي مؤشر على صحة هذه الكائنات البحرية. ووجد سيف الدين أنَّ الروبيان، رغم عدم تغير حجمها على مدى الأجيال، أصبحت أقل كفاءة واستهلكت ضعف كمية الطعام كي تصل إلى وزنها المعتاد.

وقال سيف الدين: “ما نتوصَّل إليه ليس كله نذيراً بالدمار والخراب للحياة البحرية إذا حدثت آثار تغير المناخ على مدار مدة زمنية طويلة بما فيه الكفاية. فقد كشفت دراساتنا عن أنَّ مجدافيات الأرجل والروبيان تتكيف مع تغير المناخ على مدى الأجيال”.

التضافر من أجل المحيطات
بدأت دراسات تغير المناخ التي يجريها سيف الدين في عام 2020، إلا أنَّ الوكالة تعمل عن كثب مع معهد الكويت للأبحاث العلمية منذ مدة تزيد على 10 سنوات. ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، الذي لديه خبرة في استخدام التقنيات النووية لإجراء الدراسات البيئية، هو مركز بحثي إقليمي رائد، وسُمِّي كمركز متعاون مع الوكالة لأغراض استخدام التقنيات النووية والنظيرية في العلوم الساحلية والبحرية المتقدمة. ويجري التخطيط لمزيد من المشاريع المشتركة بين المعهد والوكالة، مع التركيز بشكل خاص على التعاون مع البلدان الأخرى في المنطقة، والدراسات التي تستكشف أثر التلوث بالمواد البلاستيكية على الحياة البحرية.

وقال مارك متيان، الباحث العلمي في مختبرات البيئة البحرية التابعة للوكالة في موناكو: “مياه الخليج الدافئة توفر أحد أهم منصات اختبار ما سيحدث في السنوات القادمة في ظل تفاقم تغير المناخ”. ويقدم متيان الدعم لسيف الدين في تنسيق أنشطة المركز المتعاون وإذكاء وعي الباحثين الآخرين والهيئات العلمية في أرجاء العالم بالنتائج التي يتوصل إليها المركز. وقال متيان في هذا الصدد: “معهد الكويت للأبحاث العلمية هو مركز رائد في منطقته في استخدام الأدوات النووية والنظيرية في البحوث البحرية، ويمكن أن تساعد النتائج التي يتوصل إليها في إرشاد واضعي السياسات حول العالم بطريقة تكيف الحياة البحرية مع احترار المياه وتحمض المحيطات”.

ويعمل معهد الكويت للأبحاث العلمية، بصفته مركزاً متعاوناً مع الوكالة ومن خلال برنامج الوكالة للتعاون التقني، على دعم بلدان الخليج المجاورة في تحسين فهمها باستجابات البيئات البحرية لتغير المناخ. وهذا المركز المتعاون هو أيضاً عضو في شبكة الوكالة الأقاليمية المعنية بالبيانات العالية الجودة عن تحمض المحيطات، وهي بيانات تستخدم في دعم أنشطة وضع استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *