10 نوفمبر، 2024
أخبار مصر مقالات

دكتور على عبدالنبي يكتب: المحطات النووية وأمن الطاقة العالمي

يواجه العالم تحديين رئيسيين في مجال الطاقة اليوم الاول منهم هو الحاجة الملحة إلى التنمية في أجزاء كثيرة من العالم مع تحقيق أهداف إزالة الكربون؛ والتحدي الثاني هو الرغبة في نظام أكثر فعالية للأمن الدولي، وضمان حصول البشر في جميع أنحاء العالم على فرصة عادلة للحصول على طاقة يمكن الاعتماد عليها وبأسعار معقولة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

ولا احد ينكر ان الطاقة ضرورية للتنمية، وكل جانب من جوانب التنمية تقريباً ـ من الحد من الفقر إلى تحسين الرعاية الصحية ـ يتطلب القدرة على الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة بشكل موثوق وعندما تظل هذه الاحتياجات التنموية دون تلبية، فإن البؤس الناتج غالبا ما يؤدي إلى الصراعات والعنف، مما يؤثر بدوره على جهود التنمية ويؤثر على الاستقرار الإقليمي والعالمي.

تقدم التكنولوجيات النووية وتحسينات حيوية لحياتنا اليومية

تعتبر الطاقة النووية شكل من أشكال الطاقة النظيفة والآمنة والموثوقة في المقام الأول، والتي يمكن أن توفر الطاقة الأساسية للمجتمعات في جميع أنحاء العالم وهذا يجعلها مصدرا أساسيا للطاقة للمساعدة في تلبية احتياجاتنا والمساهمة في إنشاء شبكة طاقة كهربائية مستدامة وآمنة.

كما ان الطاقة النووية لديها القدرة على إنتاج قدرات كبيرة من الطاقة الكهربائية دون توليد انبعاثات الكربون أو ملوثات الهواء الأخرى. وهذا يجعلها أداة قيمة في مكافحة تلويث بيئتنا. بالإضافة لدور الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء منخفضة الكربون، هناك دور يمكن أن تلعبه الطاقة والتكنولوجيا النووية في تحقيق انبعاثات كربونية منخفضة، وذلك من خلال التوسع في استخدامها في تطبيقات اخري، مثل تحلية المياه وإنتاج الحرارة للمصانع والتدفئة وإنتاج الهيدروجين وإنتاج النظائر المشعة وخلافه.

وتعد المحطات النووية حلا سهل المنال وبأسعار معقولة ونظيفا وموثوقا، للبلدان التي تسعى إلى التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري وتحقيق تحول عادل ومنصف في مجال الطاقة. كما تعد الطاقة النووية أمرا بالغ الأهمية للوفاء بالتزامات الاستدامة البيئية العالمية، وأحد الأصول الرئيسية لأمن الطاقة العالمي. حاليا تساهم المحطات النووية بنحو 10% من الكهرباء في العالم.

وأصبح الجمع بين الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء هدفا هاما، مما يحقق الهدف من إزالة الكربون بطريقة سريعة ودائمة.

خلال مؤتمر تغير المناخ COP 28 تم الاعتراف لأول مرة بالدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه الطاقة النووية في مساعدة دول العالم على خفض انبعاثات الكربون الخاصة بها. وقد شهد المؤتمر اهتماما خاصا بالطاقة النووية، لما لها من دور فعال في الحفاظ على البيئة. لذلك جاء في نص القرار النهائي للمؤتمر اعتراف صريح بأن الطاقة النووية هي أحد الحلول لتغير المناخ. وقد دعي المؤتمر إلى بذل الجهد على مستوى الدول وعلى المستوى العالمي لتسريع الوصول إلى الصفر كربون من خلال استخدام التكنولوجيات منخفضة الانبعاثات الكربونية “الطاقة المتجددة والطاقة النووية”، بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيات تخفيض الكربون، مثل نظم احتجاز الكربون واستخدام تكنولوجيات إزالة الكربون من الغلاف الجوى.

ويذكر ان مؤتمر تغير المناخ COP 28 شهد توقيع 22 من قادة العالم على إعلان لبذل الجهود لمضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، والذي من شأنه أن يساعد بلاد العالم بشكل كبير على تحقيق أهدافها المتمثلة في تحقيق صافي انبعاثات كربونية تصل إلى الصفر، من خلال تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة في انبعاثات الغازات الدفيئة لإبقاء العالم على المسار الصحيح، ولإبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري أقل من 1.5 درجة مئوية.

النقاش حول الطاقة النووية يتضمن جوانب كثيرة ومختلفة تتعلق بالقضايا الدولية والوطنية، بدءا من الاقتصاد والبيئة والأمان النووى إلى أمن الطاقة. وتعد الطاقة النووية أمرا بالغ الأهمية للوفاء بالتزامات الاستدامة البيئية العالمية وأحد الأصول الرئيسية لأمن الطاقة العالمي.

لقد سلطت أزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا الضوء على أن الجهود الرامية إلى تعزيز أمن الطاقة والتحولات في مجال الطاقة النظيفة لا يمكن فصلهما.

أمن الطاقة العالمي وتنوع الإمدادات المتاحة

على الرغم من أن الطاقة النووية غير قابلة للتجديد من الناحية الفنية (بسبب الكمية المحدودة من اليورانيوم المتوفر على الأرض)، إلا أنها لا تزال متاحة على نطاق واسع. وعلى الرغم من أن توليد الكهرباء بالطاقة النووية هو عملية خالية من الكربون، إلا أن بناء محطات جديدة للطاقة النووية واستخراج وقود اليورانيوم له تأثيره البيئي الخاص.
هناك تحديات تواجه أمن الطاقة، أولا، النمو المتسارع بشكل متزايد في استهلاك الطاقة والطلب عليها.

في نصف القرن الماضي، تضاعف استخدام الطاقة ثلاث مرات. وعلى مدى العقود العديدة القادمة، إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن البشرية سوف تستخدم طاقة أكبر مما استخدمته في التاريخ السابق بأكمله. وإذا استمرت اتجاهات الاستهلاك الحالية والسياسات الحكومية، فسوف نشهد زيادة بنسبة 53% في استهلاك الطاقة العالمي بحلول عام 2030.

ثانيا، القيود المفروضة على إمدادات الطاقة، وما يترتب على ذلك من منافسة على الموارد. وتسعى كل دولة إلى تأمين قنوات إمدادات الطاقة الخاصة بها، من خلال استراتيجيات مختلفة. وتركز العديد من الدول على تنويع مورديها وتنوع مصادر الطاقة، من أجل بناء منظومة قوية تكون بمثابة حائط عازل ضد التقلبات في أسعار سوق الوقود، وضد عدم الاستقرار المحتمل في العلاقات السياسية مع كبار منتجي البترول والغاز الطبيعي.

ثالثا، التأثير البيئي. ويشمل أضرار انبعاثات الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري مثل التلوث وتأثيرات تغير المناخ، التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وارتفاع منسوب مياه البحر الذي قد يهدد بغرق المناطق الساحلية، وموجات الجفاف الطويلة، وزيادة العواصف العنيفة المتكررة.
هذا يقودنا بطبيعة الحال إلى دور المحطات النووية الهام، والتى لا يصدر منها أي غازات دفيئة. وكذلك، موارد اليورانيوم متوفرة بشكل جيد، كما أن التوقعات المتجددة للطاقة النووية تشجع على المزيد من استكشاف واكتشاف اليورانيوم.

إن الاهتمام المتجدد بالطاقة النووية الذي شهدناه في الأعوام الأخيرة، وخاصة من خلال مؤتمر تغير المناخ COP 28، يرجع في جزء كبير منه إلى أنه يقدم حلولا جزئية على الأقل لبعض هذه التحديات المتعلقة بأمن الطاقة. حيث يمكن لمحطات الطاقة النووية توفير الكهرباء الموثوقة واسعة النطاق اللازمة لتشغيل شبكات الكهرباء الكبيرة. بل وأصبحت تكلفة الكهرباء المولدة من المحطات النووية قادرة على المنافسة مع المصادر الأخرى. وقد شهد العقدان الماضيان تحسينات كبيرة في موثوقية المحطات النووية وتحسنا كبيرا جدا في معايير الأمان النووى.

ونستطيع أن نقول: أنّ المحطات النووية في حد ذاتها لا تشكل علاجاً سحرياً لأمن الطاقة العالمي. ولكن إذا أتت الخطط وتعبيرات النوايا التي نشهدها من العديد من البلدان بثمارها، فمن المرجح أن يكون للطاقة النووية دور متزايد الأهمية في مزيج الطاقة العالمي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *